«خطة القنيطرة»: ضرب المقاومة أولًا.. ثم الجيش السوري
هكذا نجا «حزب الله» من «مصيدة» الجولان
باتت الصورة واضحة، «حزب الله» كسر قواعد الاشتباك مع الإسرائيلي وبنى قواعد جديدة، وعلى العدو أن يختار الالتزام بها أو عدمه، ولكل من الحالين تبعات وارتدادات واحتمالات.
اختار العدو الصمت، مع أن مستوياته السياسية والأمنية والعسكرية تقر بأن اسرائيل منيت بهزيمة ومنحت في المقابل انتصارا لـ «حزب الله». عدوان القنيطرة وبعدها عملية مزارع شبعا وكذلك خطاب كسر القواعد للسيد حسن نصرالله، في رأي المعلقين الإسرائيليين «أدخلت إسرائيل في حقبة جديدة. أردنا أن نفرض على حزب الله قواعدنا الجديدة ففرض علينا قواعده».
ثمة سؤال يبحث عن إجابة منذ عدوان القنيطرة: لماذا ضرب العدو موكبًا لـ «حزب الله» في الجولان؟ وأما الإجابة فتكمن في معطيات «دقيقة» توفرت لدى المقاومة، وفيها:
ــ عدوان القنيطرة ليس وليد ساعته، بل هو ترجمة لقرار متخذ من قبل العدو قبل أسابيع بالحد الأدنى، بضرب «حزب الله» في الجولان السوري المحتل.
ــ لم يتوقع العدو ردًّا كبيرًا من «حزب الله»، بل اعتقد أنه بضرب موكب الحزب، أو أي هدف آخر للحزب في الجولان، يحبط محاولة الحزب التأسيس لمقاومة في هذه المنطقة، ومن جهة ثانية يحشره ويحرجه ويلقي عليه مسؤولية التسبب باستهداف موكبه، بذريعة أن وجوده في الجولان هو الذي استفز الإسرائيلي، وفي ظل هذا الإحراج سيكون على «حزب الله» الاختيار، فإما أن يبلع الضربة، أو أن يرد في الجولان، ولكن بشكل ضعيف وغير مؤثر.
ــ أراد العدو أن يكون الجولان مصيدة لـ «حزب الله»، فراهن على أن الرد الضعيف، سيتيح للعدو تكريس معادلة عنوانها: «وضع حزب الله في الجولان وفي كل سوريا صار خطيرًا وهدفًا للنار الإسرائيلية في أية لحظة»، وتحت هذا العنوان سافر الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى روسيا. هناك قال في الإعلام «إسرائيل لا تريد الحرب»، لكنه قال للروس مباشرة إنه إذا رد «حزب الله» في الجولان، فالجيش الإسرائيلي سيقصف الجيش السوري ومعه «حزب الله» أينما كان في سوريا. وهذا التحذير أبلغه الروس إلى الرئيس بشار الأسد فورًا.
ــ احتمال نشوب حرب كان مستبعدًا من قبل العدو، وراهن على أن «حزب الله» لا يريد حربًا بدوره، لانشغاله بالأزمة السورية. لذلك وجد أن عملية القنيطرة هي الطريقة المثلى وفي التوقيت المثالي لضرب الحزب وفرض معادلة جديدة عليه تقيده وتشل حركته.
ولكن ماذا حصل؟
أول قرار اتخذه «حزب الله» في يوم عدوان القنيطرة، هو الرد على العدو بقسوة، وبالتالي إسقاط المعادلة التي يسعى الإسرائيلي إلى فرضها على المقاومة، فأوصل للعدو رسالة شديدة الوضوح: «أنت أردت فرض معادلة، فأسقطت معادلة كانت قائمة، لمصلحة معادلة نحن فرضناها عليك وسنلزمك بها».
وضع الحزب أمامه خيارات متعددة، وكان أمامه «بنك أهداف» مترامي الأطراف، وثمة أهداف كثيرة كانت متاحة له. وخلص إلى أن أفضل مكان للرد على العدو هو في مزارع شبعا، ولكن على هدف دسم وموجع.
لم يكتفِ الحزب بأن يكون الرد ذا فعالية مباشرة على عدوان القنيطرة، بل يجب أن تكون له مفاعيل أمنية وردعية في مرحلة ما بعد الرد، خاصة لما يتصل بالعمليات الأمنية والاغتيالات التي ينفذها العدو لعناصر وكوادر المقاومة. من هنا، جاء كسر قواعد الاشتباك التي كانت قائمة مع العدو.
احتمال أن يؤدي رد «حزب الله» إلى حرب كان ضئيلًا جدًّا، لكن جهوزية الحزب كانت معدة لأسوأ الاحتمالات، بالتوازي مع إجراءات ميدانية واستعدادات لوجستية واستنفار كل القدرات القتالية في حال الحرب.
يبقى السؤال: هل سيلتزم العدو بالمعادلة التي فرضها «حزب الله»؟
يستخلص من قراءة «حزب الله» للوقائع أن العدو سيدرس بجدية المعادلة الجديدة، وجوهرها: العدوان عدوان، سواء أعسكريًّا كان أم أمنيًّا أم اغتيالًا، نتيجته واحدة، وعقابه واحد وفي أي مكان وزمان وبأية طريقة.
هذه المعادلة ستؤثر في أداء العدو الإسرائيلي، فلم يعد الاغتيال متاحًا لديه كما في السابق، ولم يعد قادرًا على أن يقول إنه استهدف مستودعًا او مخزن سلاح لـ «حزب الله» في سوريا أو في أي مكان آخر، بل صار عليه أن يعد للمئة، وربما للألف، قبل التفكير بالقيام بعمل من هذا النوع، أو بأي عمل عسكري في الجنوب اللبناني وعلى امتداد كل الساحات.
ومع أنه لا يؤمن للعدو، فلا ترى تلك القراءة ما يوحي بأن طبول الحرب تقرع، وإن كان «حزب الله» على جهوزية للأسوأ. فواشنطن ليست مقتنعة حاليًّا بالحرب أو بجدواها، أما اسرائيل فهي تريد حربًا سريعة تنتصر فيها على «حزب الله»، لكنها على قناعة أنها ليست قادرة على الانتصار على «حزب الله» حتى في ظل انشغاله في الحرب في سوريا.. ولذلك هي لن تدخل في حرب خاسرة سلفًا.