يتفهم «تيار المستقبل» غضبة رئيس الحكومة تمام سلام مما يواجهه من محاولات سياسية ترمي الى إحراجه تمهيدا لاخراجه، ومن ضمنها الاعتداء على صلاحياته والنيل منه بشكل علني، والاصرار على تحميله مسؤولية كل الملفات، ما أوصله الى التلويح بالاستقالة.
وترك تلويح سلام بالاستقالة، سلسلة تساؤلات في الأوساط السياسية حول ما إذا كان سلام يريد الهروب من استحقاق التعيينات الذي بات قريبا، وكذلك حول التداعيات… وما إذا كان هذا الطرح يدخل في إطار المناورة السياسية.
بعض الآراء ترى أن تيار «المستقبل» هو الذي يدفع سلام الى هذه الاستقالة كي يتفادى الرئيس سعد الحريري مواجهة حتمية لا يريد حصولها في المدى المنظور مع رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون على خلفية التعيينات العسكرية. لكن في المقابل ستثير استقالة الحكومة، في حال حصولها، اجتهادات دستورية، استناداً الى سوابق مماثلة في عهود حكومات مضت، بشأن قدرة الحكومة على إجراء التعيينات، حتى ولو تحولت الحكومة الى تصريف الأعمال، في وقت يصفها كثير من وزرائها بأنها مشلولة وتكتفي بتصريف الأعمال.
في قراءة «مستقبلية» لطرح استقالة رئيس الحكومة، ترى مصادر قيادية في التيار أن سلام هو إبن بيت سياسي عريق، ويعتبر من الرؤساء التقليديين، ولا يستطيع أن يتحمل أي إحراج يضعفه أمام طائفته، أو يفقده السيطرة على التحكم بمجلس الوزراء، مستذكرة كيف أن الرئيس الراحل عمر كرامي (التقليدي) فاجأ الجميع بتقديم استقالته بعد إحراجه بالمداخلة التي أدلت بها النائبة بهية الحريري في مجلس النواب بعد إسبوع من استشهاد الرئيس رفيق الحريري.
وترى المصادر «المستقبلية» أن سلام بدأ يشعر أنه يخسر من رصيده، وهو يجد نفسه غير قادر على الحكم في ظل الآلية المعتمدة في مجلس الوزراء التي تقضي بتوافق كل مكونات الحكومة على القرارات، وبعد فشل محاولة العودة الى الدستور لجهة التصويت بالثلثين على القرارات المصيرية، وبالنصف زائدا واحدا على القرارات العادية، في وقت تتنصل فيه مكونات الحكومة من كل المسؤوليات وتحمّله إياها بمفرده.
يؤكد قياديون في «تيار المستقبل» أنهم لا يشجعون سلام على الاستقالة، مهما بلغت الصعوبات أمامه، لافتين الانتباه الى أن استقالة الحكومة هذه المرة لا تشبه سابقاتها، وستكون بمثابة انهيار آخر المؤسسات الدستورية ما يعني الفراغ الشامل، وعندها ستكون هناك استحالة لإعادة تكوين السلطات، ما قد يعجل بـ «مؤتمر تأسيسي» لبناني يطيح اتفاق الطائف.
ويخشى «المستقبل» أن تؤدي استقالة سلام الى فوضى عارمة في لبنان، «يريدها ميشال عون وحزب الله، خصوصا أن هناك من هو مستعد لاشعال لبنان من أجل إشعال سيجارته، وفي الوقت نفسه يدعي الحرص على الدولة وعلى الحكومة وعلى السلم الأهلي والوحدة الوطنية».
يجد «تيار المستقبل» في تلك المخاوف مبرراً لتأكيد وقوفه ضد استقالة تمام سلام، «ولو كان غير سلام في رئاسة الحكومة في هذه الظروف، وحتى لو كان من ألد خصومنا لرفضنا استقالته، لأننا عندما نفقد الطريقة الصحيحة للحكم، وربما التقليدية، يبقى البلد للميليشيات وطبعا الميليشيات تجر غيرها، وصولا الى تهديد حقيقي للاستقرار».
ويلفت القياديون الزرق الانتباه الى أن كل الدول الكبرى تنظر الى الدولة في لبنان على أنها فاشلة، وأن وجود الحكومة اليوم لا يزال يعطي نموذجا عن وجود هذه الدولة ولو كانت ضعيفة، وإذا ذهبت انهارت الدولة ولن يعود أحد قادرا على إعادة بنائها.
ويرى هؤلاء أن سلام يحق له أن يناور وأن يحاور وأن يهدد وأن يلوح بالاستقالة، «ولكن عند ساعة الحقيقة وجوده وبقاؤه في السلطة هما ضمانة للبلد ككل، فاذا إنهار البلد لن يفرق بين طائفة وأخرى وبين مذهب وآخر». من ذلك ينطلق هؤلاء للاعتقاد أن طرح سلام للاستقالة ليس سوى مجرد مناورة سياسية.