ينتقل المسار الذي تسلكه قضية العسكريين الاسرى، من المنحى السلبي إلى المنحى الايجابي بخطوات بطيئة على حدّ قول مصادر متابعة للملف فبعد تحرر الحكومة من الضغوط المعنوية والشعبوية التي مورست عليها، مع مقايضة حزب الله لاسيره، وتحسسها لمخاطر الاكتفاء بالمناورة والتحرك فقط لمنع تصفية العسكريين، استجدت تطورات ايجابية جديدة تراوحت بين وقف تهديد «جبهة النصرة» باعدام العسكري علي البزال مرورا بتوقيف زوجة امير «الدولة الاسلامية» ابو بكر البغدادي، وصولا الى اعلان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أنه سيزور دمشق في اليومين المقبلين بالاضافة الى اعلان الامن العام ان العقيد المنشق عبد الله حسين الرفاعي لا يزال موقوفا لديه وأن مصيره مرتبط بالمفاوضات بشأن العسكريين المخطوفين.
فاعتقال الجيش اللبناني للزوجة الثانية لخليفة الدولة الاسلامية ابو بكر البغدادي، العراقية سجى الدليمي مع اولادها الثلاثة، منذ قرابة العشرة ايام عند حاجز المدفون اثناء انتقالها من منطقة الضنية باتجاه البقاع، حيث اعتادت التنقل باتجاه بيروت وشتورة وعرسال، تقاسم احداث المشهد اللبناني على حدّ قول المصادر، مع ما يمكن ان يحمله الانجاز من ابعاد على مستوى ملف العسكريين الاسرى، مشكلا ورقة قوة تضاف الى الاوراق الممكن استخدامها من الدولة في المفاوضات الجارية خصوصا ان الزوجة نفسها، كانت خرجت من سوريا في اطار صفقة اطلاق راهبات معلولا.
وفي التفاصيل تضيف المصادر، فانه بعد ايام من اتمام صفقة تبادل راهبات معلولا، وصلت معلومات الى المخابرات الاميركية من احد المصادر العراقية تفيد بان من بين المطلق سراحهم احدى زوجات البغدادي وابنائها، وعليه تمت مراجعة دقيقة لملفات المفرج عنهن وتم تحديد السيدة المعنية، بعد تسريب الخبر الى وسائل الاعلام مع صورتها يومها، وبدأت منذ تلك اللحظة محاولة تقفي اثرها املا في العثور عليها للحصول على المعلومات التي تملكها خاصة انها على علاقة بالبغدادي منذ اكثر من تسع سنوات. وبحسب المصادر وصلت المعلومات الى انها استقرت في لبنان دون التمكن من تحديد مكانها. وتتابع المصادر ان الجهات الامنية تبلغت منذ فترة معلومات محددة، من جهاز مخابرات غربي، مصدرها جهة عربية، تقاطعت مع اعترافات ادلى بها احد الموقوفين ما سمح بتحديد مكان تواجد السيدة المطلوبة، التي اخضعت لرقابة مشددة ولمراقبة دقيقة لتحركاتها واتصالاتها، الى ان اتخذ القرار بتوقيفها اثناء انتقالها باتجاه منطقة البقاع.
غير ان اللافت تضيف المصادر انه منذ توقيفها غابت «داعش» عن السمع، ولم تظهر اي ردة فعل سواء في ملف العسكريين الاسرى او من خلال اعلانها عن التوقيف على وسائل التواصل الاجتماعي، علما ان الاجهزة الامنية تقوم بفحص الحمض النووي للموقوفة واولادها للتأكد من هويتها. يشار في نفس السياق الى ان معلومات اخرى تحدثت عن توقيف زوجة المسؤول في جبهة «النصرة» أنس شركس الملقب بأبو علي الشيشاني.
في غضون ذلك شهدت لساعات الماضية مجموعة تطورات واحداث،كشفت عن مسار جديد دخلته القضية، ما سيترك انعكاساتها على ملف العسكريين، بحسب المصادر، لعلّ ابرزها:
-تراجع الدولة عن النتائج التي توصلت اليها المفاوضات ليل الاحد، والتي قام بها الوزير ابو فاعور، بعد البيان الذي صدر عن الحكومة ليل السبت، وقد قضى الاتفاق باطلاق سراح 5 سجناء مقابل كل اسير بعدما كانت «الجبهة» تطالب بـ10 والدولة اللبنانية مصرة على 3، ما اعتبرته «الجبهة» مماطلة وتسويفا من الجانب اللبناني.
-الزيارة المرتقبة للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى سوريا خلال الساعات المقبلة للمرة الثانية للبحث في بعض التفاصيل المتعلقة بالاسماء التي شملتها احدى اللوائح المسلّمة.
-عودة الوسيط القطري بعد تعهد امير قطر لرئيس الحكومة تمام سلام بالتدخل شخصيا في الملف، وبحسب المعطيات فان الوسيط يحمل معه هذه المرة مبادرة قطرية بدفع اموال للاشخاص الذين ستشملهم عملية التبادل.
-رفض الدولة اللبنانية تجزئة الملف واصرارها على اجراء الصفقة دفعة واحدة.
-اعتماد «النصرة « استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف، في اطار الحرب النفسية التي برعت في ممارستها حتى الساعة، مضيفة الى الغموض والتخبط، غموضا وتخبطا، اذ عمدت «الجبهة» خلال الايام الماضية وخلافا للعادة الى ضخ كمية من الاخبار العشوائية المتضاربة في وسائل الاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. فبعد ضخها معلومات عن عزمها اعدام عسكريين، غابت الجبهة عن السمع دون ايراد اي تفاصيل عمّا يجري وعن مصير الجنديين على غير عادتها، حيث ما زال الغموض سيد الموقف.
-تقديم الجهات الخاطفة لائحة مطالب تتضمن تزويدها مادة المازوت والمعلبات والمواد الغذائية والطبية الاساسية.
– تأكيد مصادر وزارية ان الجلسة المقبلة للحكومة ستشهد نقاشاً واسعاً في هذا الملف وتطوراته بعدما بدت الفوضى سيّدة الموقف في إدارته، الأمر الذي أفاد منه المسلحون، وهو ما لا يمكن الحكومة تحمل تكراره ثانية، خصوصاً انه ليس مضموناً ابداً الا يقدم احد التنظيميْن على تنفيذ التهديدات بالقتل للإمعان في إرباك الحكومة وإحراجها.
– مطالبة جهات حكومية بابعاد الملف عن الاستهداف الامني والحزبي والمذهبي والسياسي، ليتسنى للمهتمين به المضي في مساعيهم، بعيدا من المتاجرة بمشاعر الاهالي وبمزايدات بعض الاطراف التي اسهمت في شكل او في آخر في المأساة وتصور نفسها اليوم على انها المنقذ والمخلص.
في انتظار ما تخبئه الأيام المقبلة من مفاجآت، يستمر التخبط في قضية العسكريين الاسرى تقول المصادر، وسط تدهور المساعي الجارية، رغم من كل ما قيل عن اعتماد التفاوض المباشر، كآلية للوصول الى خواتيم لهذه القضية، اذ لا تزال الحكومة العالقة بين خطين وزاريين: الاول يجنح نحو الحوار المباشر والمكشوف، بعهدة الوزير وائل أبو فاعور عبر الشيخ مصطفى الحجيري، والثاني نحو حوار مستتر وكأننا في الساعات الأولى على الاسر، بعهدة اللواء عباس ابراهيم عبر الموفد القطري، في صراع على ادارة الملف، بحسب المصادر، وعلى حد الخطين تقترب السكاكين من رقاب العسكريين، وتضيع الوعود التي تتعهد بها الحكومة.
رغم تأكيد مصادر وزارية بأن جلسة مجلس الوزراء الخميس ستبدد التعارضات وتحسم هوية الجهة المفترض ان تتولى التفاوض المباشر مع المسلحين، يعيش الاهالي لوعة التحرك عند كل تهديد او استشعار لخطر على مصير ابنائهم بعدما تعددت سبل التفاوض والتواصل مع تلك الجماعات. الامر الذي يخشى ان يتحول الى سيف ذي حدين في السعي لاستغلال اي فرصة قد تؤدي الى تشتت الجهود وتبدل الشروط والدخول في عواقب غير حميدة.
فماذا عن التضامن الوزاري؟ وحول اي آلية ستجمع الحكومة؟ وهل ينتظر القرار النهائي جلسة الخميس المقبل؟ وهل تحول ملف الاسرى ساحة لتصفية حسابات سياسية مع النائب وليد جنبلاط الذي اكثر من رسائله في كل اتجاه عبر تغريداته المتواصلة؟ وهل تكون زوجة البغدادي ورقة جديدة وقوية في قضية تحرير العسكريين؟ ام تكون العكس؟