Site icon IMLebanon

هكذا يُمكن إنقاذ الماليّة العامّة في 2019

  

يعيش الإقتصاد اللبناني في حال من الركود التضخمي، بالتزامن مع تردٍ غير مسبوق للمالية العامّة. هذا الواقع يزيد من الضغوطات على الليرة اللبنانية ويُشكّل عقبة رئيسية أمام تنفيذ مشاريع «سيدر1» المشروطة. والحلّ المنطقي للخروج من هذا الوضع يبدأ بالمالية العامّة التي تحتاج إلى إصلاحات مغايرة للطروحات الصندوقية.

 

الضرر الذي يُسبّبه تردّي المالية العامّة على النشاط الإقتصادي وعلى النقد واضح. فعجز الموازنة أخذ أبعاداً جديدة مع ارتفاع الإنفاق العام لأسباب لا يُمكن معرفتها بالتحديد من دون قطع حساب.

 

فقد بلغ الإنفاق العام في العام 2017، 23186 مليار ل.ل أو ما يوازي 15.4 مليار د.أ، ومن المتوقّع أن يبلغ هذا العام 27066 مليار ل.ل أو ما يوازي 18 مليار د.أ.

 

هذا الإرتفاع في الإنفاق سيؤدّي إلى رفع العجز من 4.8 مليارات د.أ متوقّعة في موازنة 2018 إلى ما يزيد عن 6 مليارات د.أ في نهاية هذا العام.

 

وهذا ما سيؤدّي حتماً إلى ضرب الإقتصاد، من جهة أنّ حاجة الدوّلة إلى التمويل ستنعكس على أسعار الفوائد وبالتالي على قدرة المُستثمر والمُستهلك على الإقتراض.

 

وكما هو معروف في الإقتصاد، لا نمو من دون إستثمارات. ويعود غياب الإسثتمارات هذا العام بشكل أساسي إلى الإقتراض الهائل الذي تقوم به الدوّلة اللبنانية والذي من المُتوقّع أن يرتفع في العام 2019.

 

على صعيد آخر، أخذ الوضع المالي العام يؤثر على التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية، حيث كانت وكالة «موديز» من أوائل الوكالات التي بادرت الى تخفيض الرؤية المُستقبلية من ثابت إلى سلبي، مع احتفاظ لبنان بعلامة B3.

 

هذا الأمر يعني أنّه وفي غياب إصلاحات جذرية في المالية العامّة، فإنّ المراجعة القادمة ستشهد خفضاً لتصنيف لبنان الإئتماني من B3 إلى Caa-1 (أقلّه) مما يعني رفع الفوائد وبالتالي رفع خدمة الدين العام.

 

من ناحية أخرى، من المعروف أنّ نمواً إقتصادياً، مع عائدات على الإستثمارات أعلى من الفوائد التي تُقدّمها المصارف، هي الوسيلة الوحيدة للخروج من هذه الحلقة المُفرغة. من هذا المُنطلق، يأخذ مؤتمر «سيدر1» أهميته مع 11 مليار د.أ إستثمارات على مشاريع عامة وخاصة.

 

إلا أنّ الحصول على هذه القروض مشروط بإصلاحات في المالية العامّة، وعلى رأسها خفض عجز الموازنة إلى 5% من الناتج المحلّي الإجمالي، وإعادة التوازن إلى المالية العامّة، في فترة لا تزيد عن 5 سنوات.

 

ومن بين المُقترحات التي يطرحها مؤتمر «سيدر1»، رفع الضرائب، وعلى رأسها الضريبة على القيمة المُضافة، وسحب الدعم عن السلع والخدمات والخصخصة. وكل هذه الإقتراحات ستؤدّي حتماً إلى توتر إجتماعي، لا تزال اليونان ومصر تُعانيان منه.

 

من هذا المُنطلق، نطرح عدداً من الحلول لها تأثير إجتماعي محدود وفائدة مالية وإقتصادية عالية.

 

رسوم جمركية

 

إستورد لبنان في العام 2016 ما قيمته 19.2 مليار د.أ و 19.6 مليار د.أ في العام 2017، ومن المتوقّع أن يكون إجمالي الإستيراد في العام 2018 حوالى 20.2 مليار د.أ. هذا الإستيراد يأتي من أوروبا بنسبة 43%، والدول العربية بنسبة 12%، وشمال أميركا 7.2% والصين 9.9%…

 

والجدير ذكره، أنّ لبنان أبرم مُعاهدتين مع الإتحاد الأوروبي، واحدة (تُنفّذ بالكامل منذ آذار 2015) وأخرى مع الدوّل العربية للتبادل الحرّ بين لبنان وهاتين المنطقتين.

 

وبسبب عدم تكافؤ الإقتصاد اللبناني مع هذه الإقتصادات وعدم إحترام هذه الدول لمبدأ المُعاملة بالمثل، يخسر لبنان مئات الملايين من الدولارات شهرياً.

 

من هذا المُنطلق نرى أن إعادة فرض رسوم جمركية بنسبة تتراوح بين 8.74% (المُعدّل الدولي) و12% (من أعلى المُستويات) كفيل بتأمين مداخيل للخزينة بقيمة تتراوح بين 140 و220 مليون د.أ شهريًا (1.5 إلى 2.6 مليار د.أ سنوياً)، وهذا الأمر لا يؤذي العلاقات التجارية بحكم أنّ الأنظمة الدوّلية تسمح لبلد يُعاني من عجز في ميزان المدفوعات من إعادة فرض رسوم جمركية.

 

هذا الإجراء سيحمي الشركات واليد العاملة اللبنانية، وسيدفع المُستثمرين إلى الإستثمار في صناعات جديدة، بحكم الربحية العالية التي ستنتج من إعادة فرض الرسوم الجمركية.

 

التوظيف في القطاع العام

 

تُشير أرقام وزارة المال، إلى أنّ كتلة الأجور إرتفعت بمعدّل 434 مليون د.أ سنوياً منذ العام 2007 وحتى يومنا هذا. لذا، من البديهي القول انّ هناك توفيراً لمبلغ 434 مليون د.أ، في حال تمّ إتخاذ القرار بوقف كل التوظيف غير القانوني الذي تقوم به وزارات ومؤسسات الدوّلة اللبنانية تحت عدّة مسميات (أشغال بالأمانة، أجير، أجير دائم…).

 

الجدير ذكره أنّ كتلة الأجور أصبحت تُشكّل أكثر من 35% من إجمالي الإنفاق العام وأكثر من نصف مدخول الدولة. وبالتالي، فإنّ الإستمرار على هذا النحو سيؤدّي إلى كارثة مالية وإجتماعية.

 

مؤسسة كهرباء لبنان

 

تُشير أرقام وزارة المال، إلى أنّ قيمة الدعم السنوي من الدولة إلى وزارة المال يتأرجح بين مليار وملياري دولار أميركي سنوياً. ومن المُتوقّع أن يفوق هذا الرقم الـ 2 مليار د.أ هذا العام.

 

وبالتالي يُمكن للدوّلة اللبنانية إبتداءً من العام 2019 توفير ما لا يقلّ عن ثلث إلى نصف هذا المبلغ (على أن يتم توفيره بالكامل في غضون 3 سنوات) عبر الشراكة مع القطاع الخاص، من خلال تلزيم القطاع الخاص إنشاء وتشغيل معامل خاصة.

 

بالتوازي مع هذا الإجراء الضروري، يتمّ رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 5 إلى 10% لأنّ في هذا الرفع تخفيف على المواطن خدمة الدين العام الناتجة من دعم مؤسسة كهرباء لبنان.

 

جدير بالذكر أنّ كهرباء لبنان تُكلّف المواطن اللبناني بين 2.5 إلى 3 مليارات د.أ سنويًا، مقسّمة إلى الدعم الذي تُقدّمه الدوّلة وإلى الفاتورة التي يدفعها المواطن. وبالتالي فإنّ مثل هذا الإجراء كفيل بخفض عجز الكهرباء إلى أقلّ من مليار د.أ سنويًا.

 

التهرّب الضريبي

 

أثبتت أرقام الإيرادات الصادرة عن وزارة المال للأشهر الـ6 الأولى من العام 2018، إلى أنّ الإيرادات تراجعت بقيمة 500 مليار ل.ل. وإذا كان للضريبة التي دفعتها المصارف في العام 2017 عن أرباحها في العام 2016 دور في هذا التراجع، إلا أنّه معروف في الإقتصاد، أنّ التهرّب الضريبي يزداد مع رفع الضرائب.

 

وتحليل الأرقام يُظهر أنّ الضرائب على دخل الأفراد إرتفعت، في حين أنّه انخفض على الشركات، مما يعني أنّ احتمال التهرّب الضريبي هو أعلى لدى الشركات.

 

من هذا المُنطلق، نرى أنّ التهرّب الضريبي (الذي يُكلّف الخزينة خسائر بقيمة 4 مليارات د.أ) سيزداد مع رفع الضرائب، ما يعني أنّ رفع الضرائب لن يُجدي نفعاً إذا لم تُحسّن آلية الجباية.

 

إنّ هذه الإجراءات كفيلة بتخفيف عجز الموازنة إلى النصف في خلال عام ونصف، وبالتالي، لا ضرورة للإجراءات التي يطلبها مؤتمر «سيدر1»، والتي تنصّ على رفع الضريبة على القيمة المضافة أو سحب الدعم والمُساعدات الإجتماعية (مثل معاشات التقاعد).