نواصل نص التحليل الاسرائيلي الى الحرب المقبلة وكيف هي التصورات العسكرية والامنية ، وبالطبع هذه المصادر نقلاً عن مجلة معرخوت العسكرية الاسرائيلية وما جاء على لسان المحلل العسكري والامني، لما يراه يتهدد اسرائيل، الا ان الاهمية للدراسات والقراءات للخبراء السياسيين والعسكريين والاستراتيجيين في كيان العدو، هو تلاؤم وجهات نظرهم ومعلوماتهم في النظرة الى حزب الله والمرحلة القادمة. وقد نشرت صحيفة هآرتس مقالة مهمة نقلاً عن المجلة العسكرية «معرخوت»، عرض فيها ضابط في شعبة الاستخبارات، هو المقدم ن. (لم تنشر المجلة اسمه الكامل)، سيناريو بديلاً ومما جاء فيه:
يجب على إسرائيل كما يرى ن. أن تأخذ في حسابها إمكان أن يكون حزب الله غير استراتيجيته وأنه يريد من الآن أن يقوم عليها بمعركة من نوع يختلف تمام الاختلاف. ويكتب ن. أنه توجد شواهد على أن حزب الله يفكر في العمل على تقصير مدة المعركة في المرة التالية بإجراءات برية في داخل إسرائيل. وينسب ن. إلى ذلك تصريحات قيادة المنظمة الجديدة نسبيا في شأن خططها لـ «احتلال الجليل». وبرغم أن هذه التصريحات تبدو مغرورة وربما غير واقعية فانه يجب على إسرائيل أن تعطيها الوزن المناسب لأنها قد تشهد على مقاصدها.
يُحسن ن. تحليل ما وقع في 2006: فهو يكتب أن استراتيجية «النصر بواسطة عدم الهزيمة»عبرت عن فهم عميق لدى حزب الله لتفوق الطرف الإسرائيلي – التفوق التقني والاستخباري والجوي وقدرات على الإصابة دقيقة فتاكة. وأدرك حزب الله مع ذلك أيضا نقاط ضعفنا وهي الحساسية الشديدة بأمر المصابين عن جانبي المتراس، وعدم الرغبة في إجراء معارك طويلة والحاجة إلى إحراز نصر حاد واضح. ولذلك أراد حزب الله أن يُطيل القتال وأن يُظهر حقيقة أنه صمد فيه حتى النهاية.
تُرجمت تلك الأفكار إلى ثلاثة مبادئ عملية وهي تحسين القدرة على التحمل والصمود (بالاختباء في الملاجئ تحت الأرض والقرى و«المحميات الطبيعية»في المناطق المفتوحة)، وضرب الجبهة الداخلية المدنية الإسرائيلية (بشراء كثيف لقذائف صاروخية من طرز مختلفة) وبناء قدرة على تعويق تقدم الجيش الإسرائيلي (بعبوات ناسفة وصواريخ مضادة للدبابات وراجمات صواريخ). واستمر حزب الله منذ أن انتهت الحرب بشراء الوسائل وتعزيز قدرته العسكرية لكن ذلك تم في ظاهر الأمر في اطار تلك التوجهات التي كانت تميزه في الحرب وفي أساسها فكرة الاستنزاف. وفي الوقت نفسه يستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهة عسكرية أخرى ببناء قوته التي تقوم على فهم نوايا حزب الله. وعلى ذلك ستطمح إسرائيل إلى تقصير أمد المعركة والى أن تضرب بصورة سريعة دقيقة أهدافا كثيرة للمنظمة بقدر المستطاع وأن تضائل قدرتها على ضرب الجبهة الداخلية.
في 2011 بدأ حزب الله يعبر عن فكرة تتجاوز استراتيجية الاستنزاف. فقد نشر في موقعه الرسمي في الشبكة عرضاً تحت عنوان: «الجليل – مكان المواجهة التالية مع العدو». ويرى ن. أن تلك شبه خطة عملياتية لاحتلال الجليل تشمل وصف تضاريس الجليل والمدن المركزية فيه وأهدافا يمكن الهجوم عليها (قاعدة تنصت، وقواعد سلاح الجو ومصافي النفط في حيفا وغيرها). وبعد ذلك بسنة هدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في عدد من الخطب بأنه سيأمر مقاتليه «باحتلال الجليل». وفي آب 2012 جرى تمرين كبير لحزب الله بمشاركة نحو من 10 آلاف مقاتل. وجاء في الصحف اللبنانية أن التمرين اشتمل على سيناريو هجوم على الجليل.
يعتقد ن. أن السؤال الذي يجب أن يُسأل ليس هو هل حزب الله قادر على تنفيذ هذه الأفكار بل ما الذي تدل عليه حقيقة أنه مشغول بها. وهو يرى ذلك إشارة تحذير تشهد على «تغير المبدأ القتالي عند حزب الله»، وينسب التغيير إلى التحولات الجوهرية التي حدثت في المحيط الاستراتيجي الذي تعمل فيه المنظمة. إن هذه التحولات تضطر حزب الله إلى «تغيير فكرته التنظيمية» من محاولة إطالة مدة المعركة إلى محاولة تقصيرها بقدر المستطاع.
يرى ن. أن المنظمة تفضل التمسك بالاستراتيجية القديمة التي أفضت من وجهة نظرها إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في 2000 والى إنجاز في الحرب في 2006. لكن يجب عليها أن تأخذ في حسابها التغييرات التي حدثت في السنوات الأخيرة. وباختصار أصبحت المنظمة مؤسسية وهي تشارك الآن مشاركة أكثر فاعلية في الساحة السياسية اللبنانية (في الداخل والخارج)، وهذه حقيقة تلقي عليها مسؤولية عما سيحدث في الدولة اذا هاجمتها إسرائيل.
والى ذلك كان حزب الله في الماضي يعتمد على تصور عام عبرت عنه خطبة نصر الله الشهيرة فوراً بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في 2000 وهو أن المجتمع الإسرائيلي يشبه “خيوط العنكبوت»وهو غير قادر على تحمل خسائر. وتضعضع ذلك التصور بسبب العمليات الهجومية الإسرائيلية في المناطق (عملية السور الواقي في 2002) وفي لبنان وغزة (عملية الرصاص المصبوب في 2008). وأصبحت المنظمة أيضا أقل إيمانا بإمكان أن يتدخل المجتمع الدولي من أجلها ليوقف الحرب. وقد فقدت السند السوري لأن سوريا مشغولة بالحرب الأهلية الجارية في الدولة وعليها على كل حال أن تُقسم جهودها بين الحرب في سوريا وصراع العصابات المسلحة السنية التي تعمل ضدها في الداخل وحربها للجيش الإسرائيلي.
يوجد أيضا جانب إيجابي بالنسبة لحزب الله وهو أنه حشد تجربة كبيرة في المعارك في سوريا وهو قادر على أن يستعمل الآن أطرا محاربة أكبر ووسائل أكثر تعددا. ويرى ن. أن المشاركة في الحرب في سوريا تُقرب المنظمة من تبني تصورات هجومية في معركة على إسرائيل أيضا. ومعنى ذلك أن حزب الله قد يسعى إلى مواجهة عسكرية من نوع مختلف، فبدل رد على المبادرة الإسرائيلية ومواجهة الطوفان، تكون المبادرة الهجومية والاجتياحات البرية وهجوم أكثر تنوعا على أهداف في داخل الأرض الإسرائيلية.
اذا غير حزب الله استراتيجيته حقا فستكون لذلك آثار جوهرية بالنسبة لإسرائيل لأن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى أن يأخذ في حسابه إمكان أن يحاول حزب الله تقصير مدة المعركة بإقرار حقائق على الأرض مثل اجتياح بلدة في الجليل؛ أو أعداد الجبهة الداخلية لهجوم مركز على الحدود، والاستعداد أيضا لإمكانية أن يختار حزب الله بدء المواجهة العسكرية بهجوم مفاجئ قد يكون محاولة لانهاء الحرب قبل أن تبدأ بالفعل.