Site icon IMLebanon

هكذا تدير إيران معركة الخطة «ب» في سوريا

الذين يعتقدون أنّ «حزب الله» قد يتخلَّى عن هدفه «إسقاط عرسال»، نتيجة تسوية جزئية أو شكلية معيّنة، بالجيش أو بسِواه، سيَكتشفون أنّهم واهِمون. فتنفيذُ المهمَّة «جذرياً» ليس اختيارياً، بالنسبة إلى «الحزب». إنّه جزء مِن أمرِ العمليات الإيراني في سوريا، ضمن الخطة «ب».

أبلغَ الإيرانيون حليفَهم الأسد أن يكتفيَ بالدفاع عن البقعة الممتدّة من دمشق إلى الساحل مروراً بحمص، حيث يَحظى بتغطية دولية – إقليمية ضمنية يتقاطع عليها الأميركيون والروس والإيرانيون… والإسرائيليون. فولادة المنطقة العلوية – الشيعية هي من الثمار المنتظرة من الحرب، أي التقسيم.

وفي المعيار العسكري، يمكن الدفاع عن هذه البقعة. لكنّ هناك تفاوتاً في القدرة على الحماية بين منطقتين.

ففي الشريط الساحلي، هناك خطوط حُمر ليس مسموحاً للمعارضة بتجاوزها. وأمّا دمشق فتستلزم من المحور الإيراني جهوداً خارقة لئلّا تسقط كلّياً أو جزئياً، ومعها الجسر الذي يربطها بالساحل، أي حمص. والدفاع عن هذه المنطقة هو محور مشاورات مكثّفة بين إيران وحلفائها، إنتهَت إلى رسمِ خطة عسكرية عاجلة.

وفي المعلومات أنّ اجتماعات جرَت على خط طهران ودمشق وبيروت بين مسؤولين إيرانيين ومن نظام الأسد و»حزب الله» جرى خلالها إقرار هذه الخطة. فبَعد زيارة وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج لطهران، يتولّى رجل إيران القوي، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني، مباشرةً، إدارة المعركة في سوريا ولبنان والعراق.

وهو ينسِّق مهمّاته مباشرةً مع مرشد الثورة علي خامنئي الذي أرسَل قبل أيام مستشارَه علي أكبر ولايتي.

وقبل أيام، ظهَر سليماني في سهل الغاب الذي يربط أرياف اللاذقية وإدلب وحماه، ليُطَمئن القرى العَلوية المحاذية للخطوط مع «جيش الفتح». وبدا سليماني صاحبَ الأرض، وظهرَ رئيس الأركان السوري علي عبدالله أيوب وكأنّه هو الضَيف.

وقال سليماني: «سنفاجئ العالم بما نُعِدُّه نحن والقادة العسكريون السوريون». ويقوم الجنرال الإيراني، مع ضبّاطه الكبار، بإدارة معركة الدفاع عن الحضن العلوي، داعماً المقاتلين الذين اهتزّت معنوياتهم بعد معركة إدلب. وفي تقدير المتابعين أنّ مفاجأةَ إيران قد تكون هجوماً على جسر الشغور سَعياً إلى استرداده وإعادة السيطرة على مفاتيح الساحل.

وبعد انكفاء الأسد عن غالبية المناطق الشمالية والشرقية، سيُركِّز اهتمامَه على ثلاث مناطق عسكرية هي الساحل والقلمون ودمشق. وتتوَلّى طهران توزيعَ القوى العسكرية الخاضعة لإمرتها في سوريا، على المناطق الثلاث، وفقاً لظروف كلّ منها.

1- الساحل، وهو العمقُ الأشَدُّ أهمّية. ويقوم بمهمة الدفاع عنه، خصوصاً، ضبّاط إيرانيون ونخبةُ الضبّاط العلويين. ويتلقّى هؤلاء دعماً معنوياً من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس. ويَطمَئنُّ النظام إلى حماية مؤكّدة هناك، أيّاً كانت الصورة التي سترسو عليها سوريا في المستقبل.

2- العاصمة دمشق التي أكّدت طهران قبل أيام خشيتَها من فقدان السيطرة على مطارها العسكري، بسقوطه في أيدي المعارضة، ما يعني انقطاعَ الجسر الجوّي الحيوي مع طهران. وفي تقدير إيران أنّ حماية دمشق تَستدعي الاستعانة بـ 50 ألف جندي ومقاتل إيراني وعراقي.

وثمّة تقارير إيرانية غير رسمية تؤشّر إلى نيّة طهران بناءَ قوّة من 100 ألف مقاتل للدفاع عن القصر والأسد وقيادة أركانه، للإبقاء على دمشق تحت النفوذ الشيعي- العَلوي. وقبل يومَين، بدأت طلائع الدعم بالوصول إلى العاصمة السورية: 7 آلاف جندي ومقاتل إيراني وعراقي.

3- القلمون التي تربط دمشق بحمص، وتالياً بالساحل، كما تربطها بلبنان حيث مناطق نفوذ «حزب الله». ولذلك، تكتسب المنطقة أهمّية كبيرة. وفيها يتولّى ضبّاط الحرس الثوري مع الجيش السوري و»حزب الله» خصوصاً خوضَ المعارك مباشرةً. وفي السياق، يَخوض «الحزب» معركةَ عرسال بوصفِها جزءاً من خريطة النزاع الدائر على طرفَي الحدود المنهارة، وغير المرسَّمة أساساً.

ومن هنا حَتمية خوض «الحزب» لمعركة عرسال. فالمسألة لا تتعلق بتفاصيل لبنانية عابرة، بل بترتيبات حيوية تقتضيها المعركة السورية. وهي ترتبط بالصراع الإقليمي الدائر، والذي يمتدّ إلى العراق واليمن وسائر الخليج.

وتَبقى المنطقة الواقعة جنوب دمشق حتى الحدود مع إسرائيل هدفاً لسيطرة «حزب الله». لكنّ المهمّة تبدو شائكة. وأولويةُ المحوَر الإيراني هي الحفاظ على البقعة الممتدّة من العاصمة شمالاً إلى الساحل، في محاذاة منطقة النفوذ الشيعية اللبنانية.

وتزَوّد إيران حلفاءَها بالسلاح، وتُنفِق على ألويتِها العاملة في دوَل الشرق الأوسط، والجيوش والتنظيمات المنضوية تحت لواء قيادتها، مئات الملايين من الدولارات شهرياً، على رغم المأزق الاقتصادي الذي تعيشه نتيجة تأرجُح أسعار النفط والعقوبات الغربية. فقيام «الإمبراطورية» يستأهل التضحيات.

وفي العام 2011، قالَ سليماني: «إنّ قوّة الثورة في إيران رهنٌ بإثبات قوّتها في لبنان وسوريا والعراق ومصر». أي إنّ «الهلال الشيعي» إمّا أن يكون بكامل حلقاته وإمّا أن لا يكون. فـ»حزب الله» في لبنان يساوي الأسد في دمشق، ودمشق تساوي بغداد، وبغداد تساوي طهران. وهذا يَعني أنّ رأسَ الهلال أي «حزب الله» يساوي قاعدةَ الهلال أي طهران.

فهل يَستغرب أحدٌ هذا الاستنفارَ الإيراني في سوريا؟