كان اللبنانيون منهمكين في طريقة تفكيك أهرامات النفايات عندما عممت سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت شهادة السفيرة الأميركية الجديدة المقترحة للبنان اليزابيت ريتشارد التي تنتظر رئيساً جديداً للجمهورية لتقدّم له أوراق اعتمادها، فلم يُعرها أحدٌ الأهمية التي تستحق. لكنّ الوقوف عند عناوينها يكفي لإستشراف الطريقة التي ستتعاطى فيها واشنطن مع لبنان في قابل الأيام. فكيف ولماذا ومتى؟
عندما وصل السفير الأميركي السابق ريتشارد جونز في 25 تشرين الثاني الماضي الى بيروت أعلن رسمياً أنه مُفوَّض مهمة إدارة الديبلوماسية الأميركية في لبنان لفترة انتقالية تسبق تسلّم ريتشارد التي كانت تشغل منصب نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى مهماتها.
وقيل يومها أيضاً إنّ السفير جونز سيحمل صفة القائم بالأعمال وإنّ ريتشارد لن تباشر مهماتها في بيروت قبل انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. ولذلك أُرجئت كلّ المراحل الإدارية والديبلوماسية التي عليها عبورها لتعين رسمياً في مهمتها بما تفرضه الآلية المعتمدة في الإدارة الأميركية من امتحانات تخضع لها وشهادات عليها تقديمها أمام لجان الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركيَّين.
وعليه توقفت مصادر ديبلوماسية معنية أمام خطوة مثول ريتشارد أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ من حيث توقيتها وشكلها ومضمونها.
ففي التوقيت، تقول المصادر إنه جاء لافتاً، إذ تزامنت مع الحديث المتنامي عن احتمال قرب انتخاب رئيس للجمهورية من دون الإشارة، قصد أو بغير قصد، الى أنّ الظروف قد نضجت لمثل هذا الإنجاز الذي عجز عنه اللبنانيون.
فكلُّ مَن التقى جونز في الفترة الأخيرة سمع منه أنه يستعجل الخطوة في أسرع وقت ممكن مخافة أن تتفكّك الدولة وتفتقد المؤسسات قدرتها على البقاء موحَّدة، وهو ما يشكل خطراً داهماً على كيان البلد ووحدة أراضيه، فضلاً عن إشارته الدائمة الى أنه كان يمضي فترة النقاهة التي يحلم بها وأنّ مهمته الموقتة قد طالت ويأمل أن تكون شارفت على الإنتهاء.
أما في الشكل، فقد توقفت المصادر الدبلوماسية عند مواصفات ريتشارد، فهي من الديبلوماسيات القليلات اللواتي تولّين على مدى ثلاثين عاماً في سلك الخارجية الأميركية المهمات الأكثر تحدّياً للظروف الصعبة ولواقع المجتمعات المتضرّرة من الحروب. وهي مهمات شبيهة بتلك التي تنتظر ريتشارد في لبنان الواقع على فوهة البركان السوري ويعاني من حممه منذ خمس سنوات.
فالسفيرة الجديدة قادمة من اليمن حيث عاينت العمليات العسكرية التدميرية التي يشهدها، وقبله كانت في أفغانستان وباكستان حيث أشرفت على برامج التسليح والمساعدات الأمنية والإنسانية ورافقت التهجير والنزوح ومكافحة المخدرات.
أما في المضمون، فقد توقفت المصادر نفسها عند توصيف اعتمدته ريتشارد للوضع في لبنان وسبل المواجهة تنفيذاً لسياسة بلادها. إذ كانت واضحة في إشارتها الى «لبنان الذي يعيش فترة من عدم الاستقرار لم يسبق لها مثيل بسبب ضعف الشرعية السياسية، وعدم فعالية المؤسسات، والاقتصادات الهشة، والطائفية الدينية».
ثمّ فصّلت وقالت «إنّ لبنان يواجه ثلاثة تحدّيات رئيسة أولها: الآثار الجانبية للنزاع في سوريا والتي جلبت إليه أكثر من مليون لاجئ، وثانيها: الأزمة السياسية التي أعاقت بشدة عمل المؤسسات الحكومية وحرمت الشعب اللبناني من خدمات أساسية، وثالثها: أنشطة حزب الله، وهو «منظمة إرهابية تضع مصالحها الخاصة ومصالح داعميها الأجانب قبل مصالح الشعب اللبناني».
ورأت المصادر الدبلوماسية في شهادة ريتشارد ما يكفي من الرسائل التي تعكس طريقة التعاطي الأميركي مع لبنان في المستقبل القريب. فاختيرت هذه السفيرة لخبرتها بما يحتاجه لبنان. فهو مستودع للنازحين ومسرحٌ لجهود الإغاثة. وسألت المصادر: هل تتحق أمنية ريتشارد بانتخاب الرئيس العتيد في أسرع وقت ممكن. لأنّ لبنان، في رأيها، يحتاج «بلا تأخير الى رئيس، وإلى مجلس وزراء يعمل بنحو كامل، والى برلمان»؟
وكان لافتاً، أن تضيف ريتشارد في شهادتها توصيفاً جديداً للبنان عندما قالت: «لبنان هو أرض مقدسة للديبلوماسيين الأميركيين ولزملائنا العسكريين». وأضافت: «لن ننسى أبداً التفجيراتِ المأسوية لثكن المارينز والسفارة الأميركية في بيروت عام 1983». وأكدت أنه في حال اعتمادها «سيكون أمن وسلامة جميع الأميركيين في لبنان من أهمّ أولوياتي، ولا يوجد بالنسبة اليها أيّ عمل أكثر أهمية».