يكشف الرئيس فؤاد السنيورة أمام زواره هذه الايام الكثير من خبايا الملفات المطروحة محليا في الشأن الرئاسي والترقيات العسكرية التي حملت في طياتها مناخا تصعيديا أدى ولا يزال إلى تعطيل الحياة السياسية من جهة ودور المؤسسات الدستورية من جهة أخرى، ليخلص الى رسم صورة غير متفائلة بالمرحلة المقبلة المضبوطة حتى الآن على إيقاع تطور الوضع الاقليمي،
لا ينزعج الرئيس السابق للحكومة ووزير المال في حكومات الرئيس رفيق الحريري، عندما يتهم بأنه مفاوض شرس، يرفض تقديم أي تنازلات من دون مقابل، خصوصا إذا كان مفاوضه “يطلب أمرا لنفسه، فيما هو يطلب لمصلحة الوطن”. ويستذكر أمام زواره وصف رئيس الوزراء السوري الراحل فارس الخوري لوزير المال عندما قال انه يجب ان يكون “فظاً، صدّاعاً، غليظ القلب”. فهذا يعني انه لا يهادن ولا يساوم.
مناسبة هذا الكلام تأتي في إطار الرد على اتهام سيق للسنيورة بأنه أحبط تسوية الترقيات التي كان الرئيس سعد الحريري وافق عليها إلى جانب عدد من القوى السياسية. ويقرر أن يروي قصة التسوية ليشرح موقفه منها وصولاً إلى تحديد المسؤول عن إحباطها، وذلك ربطا بملف الرئاسة والحكومة. فيقول انه لم يرفض مبدأ التسوية التي تقتضي أن يقترب فريقاها بالتساوي لا أن يقترب فريق ويبتعد آخر، فلا تعود تسوية. يؤكد أنه في حوار الستة الموازي للحوار الوطني، أبلغ الموجودين انه موافق على إقتراح الترقية، داعياً في المقابل الى أن يؤدي ذلك إلى تفعيل عمل الحكومة وفقاً للأصول. فكان خروج العماد ميشال عون جوابا واضحاً عن رفض ذلك.
ويذهب السنيورة أبعد عندما يكشف عن إتصال أجراه بالرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري عندما تقرر تأجيل تسريح العماد جان قهوجي، في 24 آب الماضي، مقترحاً “كسر سمّ” تأجيل تسريح قائد الجيش من خلال ضم قرار بتأجيل تسريح عدد من الضباط بمن فيهم العميد شامل روكز، ويكشف السنيورة ان سليمان والحريري وافقا على الاقتراح لكنه قوبل بالرفض من النائب وليد جنبلاط ، مما دفع الوزير علي حسن خليل إلى إبلاغ مدير مكتب الحريري نادر الحريري بسقوطه.
يرفض السنيورة إتهام تياره بأنه يعمل لكسر عون، مشيرا إلى ان التيار أبلغ عون صراحة بأن هناك صعوبة في وصوله الى الرئاسة، وانه يقبل السير بروكز لقيادة الجيش في مقابل تراجع عون عن الرئاسة، لكن الاخير لم يقبل.
ليس لدى رئيس كتلة “المستقبل” جواب جازم حول ما كُشف عن وعود أعطاها الحريري لعون في هذا الشأن وأدت إلى تساهل الاخير في مواضيع وملفات كثيرة، ما لبث أن تراجع عنها بعدما شعر أن الوعود لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ.
هل هو سوء تنسيق أو تباين في المواقف بين اركان “المستقبل”؟ أو توزيع أدوار؟ يكرر السنيورة موقف كتلته بأن الكل يلتزم موقف زعيم التيار، نافيا التباين.
سقوط التسوية ادى إلى تعطيل الحكومة، فما المخرج اليوم؟
لا خيارات أخرى يبتكرها السنيورة، ويجدد تمسكه بالحكومة، مؤكدا تسهيل إنعقاد جلسة حتى من “حزب الله” لملف النفايات، ومبشّرا بحل قريب، لكنه لا يتوانى عن التذكير بموقفه الدائم أن “حزب الله استدرج البلاد الى المستنقع السوري، وجعل الحلول مرتبطة بالرهان على الخارج. اما بالنسبة اليه فالحل يكمن في انتخاب رئيس للجمهورية.
في هذا الملف، يستفيض السنيورة في عرض مواصفات الرئيس انطلاقا من جلسة الحوار الاخيرة فيقول انه خلال الحوار، جرى تناول نقطتين اساسيتين حظيتا بكثير من التأييد وليس الاجماع: اهمية العودة إلى احترام الدستور وعدم التعامل معه كأنه “خرقة”، وثانيا ان المرشحين المطروحين للرئاسة عاجزين عن تأمين النصاب القانوني. وهنا، يستشهد السنيورة بكلام للبطريرك الراعي بأن الرئيس القوي هو من يؤمن حضور الثلثين والنصف زائد واحد (بلغة الانتخاب الدستوري).
اما المواصفات التي تحدث عنها وابلغها خطياً لرئيس المجلس بناء على طلبه، فتلحظ أن يكون وفق ما وصفه الدستور: رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. أي بتعبير السنيورة مؤيّداً ( بفتح الياء) في بيئته ومعتبراً فيها ومدعوماً منها ومن بيئات اخرى أيضاً. ويعطي مثلاً ينطبق على هذا التوصيف: انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجيه بعدما تم تأييده وإعتباره ودعمه من ثلاثة مرشحين أقوياء في زمنهم: كميل شمعون وريمون إده وبيار الجميل.
يعترف السنيورة بأن غياب رئيس الجمهورية دفع بالبلاد الى الخراب، مما يخالف الكلام ان البلاد تسير من دون رئيس او ان الرئيس لا يملك صلاحيات. هو مقتنع بأنه صمام الامان وتتقاطع عنده كل القوى.