يستفرد ايلي ماروني باللعب «سولو» على وتر الحوار بين «الكتائب» و «حزب الله»، فيذكّر الجمهور بين الحين والآخر بأنّه موكل بهذه المهمة، وفي كل مرة يكيل عبارات الثناء والمديح للقناة المفتوحة بين بكفيا والضاحية الجنوبية، لا سيما أنّ النائب الزحلي هو المؤتمن على هذه «الوديعة».. فلا بدّ إذاً من استحضار كل الأضواء الممكنة.
الغريب أنّ رفاق الرجل لا يجارونه هذه الإيجابية أو حتى يأتون على ذكر هذا المسار، مع أنّ الزمن هو زمن الحوارات المفتوحة بين الخنادق التي ضربها الصدأ. حتى «حزب الله» يتعاطى بكثير من الهدوء والتواضع مع هذه المسألة، فيبتعد عن «بهارات» المزايدة أو مقويات الدعم التي من شأنها أن تطيل عمر هذا الخط.. وكأن الفريقين يرفضان أن يصنعا من «الحبة قبة».
لن يعود الأمر موضع استغراب لمن تسنى له متابعة خطاب سامي الجميل الناري في عاصمة الضباب أمام بعض «الرفاق الكتائبيين» خلال زيارته للندن، فيتأكد أنّ الطاولة التي تجمع علي فياض مع إيلي ماروني، هي أقل من مائدة حوارية، لا بل بالكاد قناة تواصل، لا يُنتظر منها أن تجترح المعجزات.
إذ في حين يفضّل الرئيس أمين الجميل اختيار عباراته بعناية، وتحديداً حين يصل الحديث أعتاب الضاحية الجنوبية، يذهب نجله إلى نقيضه تماماً، حيث يسقط كل ملامح المسايرة عن مفرداته.
لا يمكن، لمن سمع الجميل الابن يخطب في لندن ليل امس الاول، أن يصدق أنّ حزبه متمسك بالخيط الحواري الرفيع مع «حزب الله» أو حريص عليه، لا سيما حين يدعو إلى «نزع الجنسية عن اللبنانيين الذين يقاتلون الى جانب النظام في سوريا» وذلك أسوة بإقدام الأوروبيين على نزع الجنسية عن مواطنيهم الذين يتوجهون للقتال مع «الجهاديين» في سوريا، أو حين يدعو «حزب الله» إلى عدم حشر اللبنانيين في «معادلة إما التكفيريون وإما التحكّم بالبلد»، إلا إذا ظنّ أنّ قيادة الضاحية الجنوبية لا تنام كرمى الحوار مع «الكتائب»، مهما زل لسان سامي.
هنا، تذهب الأفكار إلى الاعتقاد أنّ الأب والابن يلعبان لعبة توزيع الأدوار. بنظر هؤلاء، فإنّ رئيس الجمهورية السابق يميل دوماً إلى تلطيف «معجم تعابيره» على قاعدة تدوير الزوايا، سواء ارتبط كلامه باستحقاق معين أو لم يرتبط. هكذا نشأ خطابه وهكذا عرفه الكتائبيون. فكيف اذا كان مصير الكرسي المخملي على المحك؟
لا جديد في هذا الأمر. كما لا جديد في الحدية التي تميز لسان النائب المتني الذي يغلّب حساباته المستقبلية على الحسابات الأخرى. بالنسبة له، التأسيس لزعامته له الأولوية في الخطاب، وإذا فرض عليه الكلام فلا بدّ أن يكون ضمن المعايير التي يضعها لنفسه، والتي تساعده في بناء هرم شعبيته ولو أمام ثلة من موارنة العاصمة البريطانية.
لهذا مثلاً، اختار الشاب الابتعاد نسبياً خلال الفترة السابقة عن المنابر والشاشات، لأنه لن يسجّل على نفسه خطاباً تسووياً أو فيه بعض المسايرة، أو يكون بسقف أدنى مما اعتاده جمهوره… من دون أن يعني ذلك أن هذا الأمر هو موضع خلاف بين الرئيس السابق ونجله.
وفق الكتائبيين، فإنّ رئيس الحزب يدرك تماماً اعتبارات سامي، كما يعرف الأخير ماهية الحسابات التي تدور في رأس والده، ولهذا فإنّ التمايز في الشكل بين الخطابين ليس سبباً لخلاف داخل العائلة الواحدة، ما دامت مظلة الثوابت الواحدة هي التي تظللهما.
ولكن هذا يعني وفق بعض المعنيين أنّ ما يجري بين «الكتائب» و«حزب الله» لن يؤدي إلى انقلاب في الخيارات، لأنه تبين بعد أكثر من جلسة أنّ الفريقين غير مستعدين للتراجع عن ثوابتهما وأن إمكانية التوصل إلى ورقة تفاهم مستبعدة في الوقت الراهن، وما بقي بينهما ليس سوى قناة تواصل تساعد على ترطيب الأجواء لا أكثر.