انها الليلة المميزة والمنتظرة كل عام، ليلة 14 ايلول عيد الصليب المقدس الذي يحتفل به المسيحيون في قراهم وبلداتهم، حيث يقيمون المهرجانات على مدى ايام ، ويؤم الجوار مناطقهم للاحتفال بالعيد المميّز، فيسارع القاطنون في بيروت للانطلاق وإحياء مهرجانات هذا العيد في كل المناطق اللبنانية ، وخصوصاً في البقاع الشمالي حيث النكهة المميزة، بسبب العادات الشعبية المقترنة بهذا العيد ومنها اشعال النار على قمم الجبال او امام المنازل وفي الساحات العامة، على الرغم من محاولة الارهابييّن المنتشرين في الجرود من إفشال هذه الاحتفالات بالاعتداءات على مراكز الجيش في المنطقة.
لكن عدم تغييّر العادات كان الردّ الابرز من مسيحيّي البقاع الشمالي على تهـــديدات «داعــش» واتباعها، اذ كان المشاركون بأعداد هائلـة من كل ابناء المنطقة ، حيث عمّت الاحـتفالات بالعيد بمنـطق اوسع واكبر من الســنوات الماضية، خصوصاً في بلدات القاع ورأس بعلبك والجديدة ودير الاحمر والجوار، اذ لا شيء يوقف عزيمة مسيحيّي تلك المناطق، الذين يقيمون الافراح والسهرات على الرغم من الوضع الامني الصعب والحذر في معظم الاحيان، فجاءت ليلة 14 ايلول هذا العام وككل عام لتؤكد أن بقاء المسيحيين في تلك القرى، هو قرار نهائي لن يلغيه احد مهما بلغ ارهابه.
الى ذلك فهذا التواجد الكثيف حمل رسائل عدة ينقلها الاهالي ل« الديار» ابرزها: « اننا باقون هنا مهما حصل ولا تخيفنا «الدواعش »، فنحن متجذرّون في هذه الارض ولن يُخرجنا منها الغرباء، كما اصبح معروفاً عنا بأننا لا نبيع جزءاً ولو بسيطاً من ارضنا، لاننا نعتاش منها وهي كنز من اجدادنا لن نفرّط به مهما كانت الاغراءات، لذا لن نقف مكتوفي الايدي بل سندافع عن اعراضنا وارزاقنا، خصوصاً بعد الذي شاهدناه في سوريا والعراق من قيام هؤلاء المجرمين بهذا الكم الهائل من الارهاب، كما أن القرار إتخذ تحت عنوان «لن يكون لبنان في قلب الارهاب والمعركة مستمرة ضده»، وهذا يعني أن الاجهزة الامنية متنبهة جدا وهي في المرصاد لكل الاحتمالات، وتأخذ في الاعتبار كل السيناريوهات العسكرية المحتملة، وهي تقوم بواجباتها على اكمل وجه من خلال تصدّيها للهجومات على محاور البقاع الشمالي، فكل هذا يؤكد لمسلحي «داعش والنصرة» بأن حلمهم الارهابي لن يتحقق في هذه المنطقة، خصوصاً ان حلم إجتياح القرى المسيحية كرأس بعلبك والقاع يراودهم منذ دخولهم الجرود الوعرة والمغاور، لكن وبعد مراجعة حساباتهم في ظل هذه الانكسارات فحلمهم بات خيالياً.
هذا ويؤكد الاهالي أن معنوياتهم عالية جداً، وأن كل ما يردّد من مخاوف وتحليلات بأن المناطق الحدودية المسيحية ستسقط، هو من باب توتير الاجواء وبث الرعب، لان من يُشيّع هذه الاقاويل فهو بالتأكيد لا يعرفنا، فنحن نستشهد من اجل ارضنا لاننا تجذرّنا فيها منذ مئات السنين، كما ان مَن يرى الجيش ومدى انتشاره وشجاعته لا يمكن ان ينطق بأي كلمة مما يردّد، فنحن الى جانبه في المرصاد دائماً ونتحّضر لكل مفاجأة.
ويختمون بأن ايمانهم يبعد عنهم الخوف، فمَن معه المسيح لا يخاف ابداً، لان مقاومة ابناء الكنيسة نابعة من الايمان، مستعينين بكلمات للسيّد المسيح: «لا تخافوا سيكون لكم ضيق من العالم لكن ثقوا بأني غلبت العالم»، لافتين الى انهم باتوا يحيون الاعياد بإندفاع اكبر خصوصاً عيد السيدة العذراء منتصف الشهر الماضي بحيث جمعوا من حولهم كل اهالي المنطقة ومن كل الطوائف، فكان هذا الفعل خير ردّ على الارهابييّن الذين يعملون على زرع الفتنة الطائفية، لكن نؤكد لهم أن افعالهم لم تؤد إلا الى العيش المشترك والتوافق اكثر بين المسيحيين والمسلمين .