Site icon IMLebanon

هكذا صدّ الجيش اللبناني هجوم «فتح الشام» على عرسال

بين ما شهدته كواليس القمة العربية، من مواقف مجمعة على محاربة الارهاب والتطرف، وبين الاهتمامات الداخلية اللبنانية بقانون الانتخابات الذي تتقاذفه القوى السياسية المختلفة، ولعبة الموازنة والسلسلة، ثمة شيء ما يخطط له في مكان بعيد هدفه اعادة عقارب الساعة اللبنانية ثلاث سنوات الى الوراء، في ظل ما تشهده الساحة الاقليمية من تطورات دراماتيكية ادت الى اضعاف حركة المجموعات المسلحة، مع تحقيق انجازات كبيرة على جبهتي العراق وسوريا ما يهدد بوضع الجبهة اللبنانية في خطر.

وفي هذا الاطار كانت رسائل التحذير الغربية من اكثر من عاصمة معنية بالاستقرار اللبناني حول ضرورة التيقظ والحذر من اي محاولة ارهابية للتوسع باتجاه الاراضي اللبنانية، نتيجة ما بينته الفترات السابقة، ورغم الجهود اللبنانية الكبيرة في تحقيق انجازات على صعيد الامن الوقائي ،من وجود اصرار ارهابي على تحويل لبنان الى ساحة بديلة «للجهاد» و«للنصرة» مع انحسار خارطة التمدد الجغرافي لتلك الجماعات في بلاد الشام وما بين النهرين، خصوصا ان الموقع الجغرافي للبنان يساعد بتحويله ممرا اساسيا للارهابيين باتجاه اوروبا او اميركا الشمالية سواء المندسين بين اللاجئين بطرق غير شرعية، او للمقاتلين العائدين من جنسيات غير عربية والذين يقدر عددهم بالآلاف.

ولعل من نعم القدر ان التطمينات التي سمعها المسؤولون الغربيون، وآخرهم ضابط اميركي كبير زار لبنان لساعات بعيدا عن الاعلام، حيث اجرى اتصالات مع الجهات اللبنانية المعنية، ترجمت في الواقع نجاحا للجيش اللبناني في صد محاولة تقدم لجبهة «فتح الشام» من جرود عرسال باتجاه الاراضي اللبنانية عبر فتح ثغرة في الجبهة اللبنانية، حدد موعدها فجر الاربعاء عقب صلاة الفجر، على ما درج المسلحون في التحرك.

الا ان حسابات حقلهم لم تتناسب وحسابات البيدر اللبناني، حيث تمكن الجيش وعبر وسائل فنية وتقنية، ومن خلال المراقبة الجوية على مدار الساعة التي تؤمنها طائرات من دون طيار وطائرات السيسنا المجهزة بتقنيات حديثة تمكنها من العمل في كل الظروف المناخية، من رصد تجمعات كبيرة للمسلحين وعملية انتشار هجومي لهم، حيث قامت مدفعية الجيش والوحدات العسكرية المنتشرة عملانية على طول الجبهة بالتعامل مع الوضع محبطة مخطط الارهابيين موقعة عشرات القتلى والجرحى في صفوفهم، وتمكنت القوى العسكرية من سحب 14 جثة من بينها جثة احد القادة الميدانيين للهجوم الملقب بالايوبي.

وقد اظهرت المعطيات المتوافرة ان مجموعات «جبهة فتح الشام» الموالية لابي مالك التلي، الذي ما زال موجود في الجرود غير راضية عن الاتفاق الذي ابرمته قيادة الجولاني مع حزب الله والنظام السوري لجهة تبادل اسرى وجثث واخلاء بعض المناطق المحاصرة، برعاية الاستخبارات القطرية، فعمدت الى تظهير امتعاضها عبر تنفيذ الهجوم باتجاه الداخل اللبناني في محاولة لتحقيق انجاز يقلب المعادلات، خصوصا ان ابو مالك التلي لعب دورا اساسيا في افشال ما كان يتم تحضيره من مصالحة في منطقة القلمون وبعض قراها.

وبحسب الخطة المرسومة فان هدف العملية كان اسقاط بلدة عرسال واحتلالها في تكرار لتجربة آب 2014 عبر هجوم على محورين:

الاول: من الجهة الشرقية من ناحية مدينة الملاهي ووادي ميرا باتجاه عرسال مرورا بعين الشعب فبلدة اللبوة.

الثاني: من الزمراني شمال عرسال باتجاه الزيتونة وصولا الى طريق الهرمل الفاكهة.

يسبق ذلك هجوم للتضليل والتمويه يستهدف مواقع حزب الله في منطقة الرهوة جنوب غرب وادي العويني من جرود فليطة.

الا ان مدفعية الجيش التي باشرت مع انطلاق الهجوم باتجاه مواقع حزب الله وانكشاف خطة المسلحين بقصف تجمعاتهم في منطقة الملاهي ووادي ميرا تمكنت من اسقاط عامل المفاجئة الذي راهن عليه المسلحون مثبتة جهوزية الوحدات المنتشرة على التعامل مع اي طارئ على طول الجبهة وامساكها بالمبادرة وفقا للخطة الموضوعة، حيث تكشف المعلومات ان قائد الجيش العماد جوزف عون تابع الموقف اولا باول، هو القادم من جبهة عرسال الى اليرزة، معطيا التوجيهات، والى جانبه مدير مكتبه العميد الركن وسيم الحلبي الذي شغل قبل تشكيله الى مكتب القائد وظيفة منسق نيران مدفعية الجيش في غرفة العمليات وهو يعرف بدوره تفاصيل الجبهة، في الوقت الذي نجح في خلفه العقيد ميشال بطرس في ادارة المعركة بشكل ممتاز وفقا للخطة الموضوعة، التي اظهرت نجاح الجيش اللبناني في استخدام السلاح الاميركي باقسى طاقته، وهو ما حاز تنويه الاجهزة الغربية والوفود العسكرية التي زارت لبنان.

مرة جديدة يؤكد الجيش استعداده وكفاءته في الدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها ناجحا في تحقيق نقلة نوعية خلال السنوات الاخيرة على صعيد الخطط العسكرية واستخدام السلاح النوعي الذي بات يملكه، محولا طول الجبهة الشمالية الى خط دفاعي عصي على اي محاولات لاختراقه، مسجلا انجازا جديدا يضاف الى انجاز الاجهزة الامنية في الداخل وفي مقدمتها مديرية المخابرات، ليفرض مرة جديدة معادلته الثابتة وخطه الاحمر بمنع تمدد الارهابيين على اي شبر من الارض اللبنانية وخصوصا في عرسال وما تحمله من رمزية.