IMLebanon

هكذا دمّرت المقاومة تلفزيون «الشرق الأوسط»

إنه العام 1985، بعد انكفاء جيش العدو الإسرائيلي الى عمق الشريط الحدودي المحتل.

تداعى قادة ميدانيون يشرفون على عمليات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» في منطقتي الجنوب والبقاع الغربي، الى عقد اجتماع مشترك في منزل سري في قرية في منطقة البقاع الأوسط. حضر الاجتماع بطبيعة الحال القيادي المقاوم كمال البقاعي. أما جدول الأعمال، فقد حصر بنقطة واحدة «تصعيد العمليات النوعية ومنع استقرار العدو وميليشياته العميلة في المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة».

لم يقع الاختيار على تدمير محطة «تلفزيون الشرق الأوسط» التابعة للعملاء ارتجالياً، يقول قيادي شارك في الاجتماع، «فالهدف كان من ضمن بنك من الأهداف». لكن خلاصة المداولات اتفقت على «تنفيذ عملية مزدوجة». ففي الوقت الذي يتمّ فيه تدمير إذاعة العميل أنطوان لحد في منطقة الدردارة في سهل الخيام، يحصل تفجير محطة الشرق الأوسط في منطقة مارون الراس. وقد رغبت القيادة بتنفيذ عمليتين استشهاديتين.

يشرح القيادي أن مجموعة الإذاعة تولى تدريبها والاشراف على مهمتها كمال البقاعي. فيما كلف المقاوم حسن اسماعيل الإشراف على تدريب مجموعة «التلفزيون» وكانت مؤلفة من خمسة رفاق تم اختيارهم بصورة دقيقة. وأوكلت الى الرفاق الخمسة مهمة حساسة جداً، وهي «الدخول الى موقع المحطة وزرع عبوات ناسفة ومن ثم الانسحاب. اما اذا حصل وتم اكتشاف المجموعة فالتعليمات كانت واضحة بضرورة استخدام كواتم الصوت، على ان يكون خيار المواجهة المفتوحة الخيار الأخير» .

أقامت المقاومة في منطقة إقليم الخروب، وعلى تلة شبيهة بمنطقة مارون الراس، معسكراً للتدرب على المهمة بما فيه «مجسّم مطابق لمبنى التلفزيون المستهدف». لازمت المجموعة مهمتها التدريبية وبقيت في الموقع لأكثر من شهر.

في تلك الأثناء، كانت مجموعات الرصد والمتابعة في منطقة بنت جبيل وضواحيها قد كلفت بتركيزعمل خلاياها (تعمل بصورة مستقلة الواحدة عن الأخرى) على مراقبة موقع المحطة، الى درجة حصل فيها تداخل بين عمل المجموعات، اذ قدمت إحدى المجموعات تقريراً عن تجوّل شخص كانت ترافقه فتاة بجوار المحطة، ليتبين لاحقاً أن الشاب والفتاة كانا من ضمن جهاز الرصد ايضاً..

«كانت متابعة تفاصيل التحضيرات للعملية مهمة شاقة وحساسة وكادت تكون يومية»، على ما يقول المسؤول المقاوم، مضيفاً أن الأمر وصل الى حد «متابعة حالة الطقس، ومراعاة حالة القمر والاستفادة من تمدّد ساعات الليل».

فصلت المجموعة المتدربة عن بقية المهمات وتم عزلها كلياً، اذ تم احتجازها طيلة فترة التحضيرات وذلك منعاً لحصول أي خرق محتمل.

تقود امراة سيارة العبوات الى خراج بلدة شقرا. ينام صبي ذو سنوات ست، على العبوات في المقعد الخلفي. يجلس قرب السيدة شاب تم اختياره بدقة ليكون شبيه المرأة (عيناه ملوّنتان). تنجز مهمة إيصال العبوات. ولكن يتعذر ايصال مجموعة الخمسة كاملة بسبب خلل ميداني. يتم تأجل العملية، بينما يتم تفجير الإذاعة في 17 تشرين الثاني العام 85.

تُعاد دراسة الوضع من جديد. قسم أصبح موجوداً في نقطة الانطلاق نحو المحطة، وقسم آخر تأخر في الوصول يوماً واحداً.

يتخذ قرار التحرك. قبل يومين من ذلك كان قد تم سحب رفيق من بين الرفاق الخمسة الذين أجروا تدريباتهم وانضمّ بدلاً منه جندي من الجيش اللبناني. الجندي جميل شهاب من ضمن وحدة خاصة من جهاز المقاومة تستفيد من خبراته وتدريباته في الجيش. فشهاب كان من قوات النخبة وقد أخذ إجازة من الخدمة وانضمّ الى المجموعة.

ليل 22 من تشرين الثاني وفي خراج بلدة شقرا، تسلمت المجموعة سلاحها ومعداتها (كواتم صوت، صواريخ لاو، قنابل يدوية، بنادق كلاشينكوف، اضافة الى خمس عبوات لاصقة متطوّرة كانت المقاومة قد حصلت على دفعة منها.. ساهم «أ. يوسف»، رجل تصنيع العبوات في «الحزب الشيوعي»، في العمل على برمجــة ساعات التفجير بحيث يكون الفارق الزمني بين تفجير العبوة والأخرى ثلاث دقائق.

في ساعات المساء الأولى، سارت المجموعة نحو وادي السلوقي ومنه تسللت بين عيناتا وعيترون مروراً من أطراف بنت جبيل واتجهت صعوداً نحو مارون الراس بعد أن أتمّت عملية التفاف حول الهدف لتدخل منطقته من جهة فلسطين المحتلة.

قصّ المقاومون الشريط الشائك المحيط بالموقع ودخل اليه الرفاق الخمسة وبينهم الشهيد فرج الله فوعاني. وعند الساعة الواحدة وعشر دقائق تم لصق العبوة الأولى على حائط غرفة المعدات الالكترونية، ووضعت عبوة على كل عمود بث. اما العبوة الرابعة فقد وضعت على مدخل الموقع والخامسة على حائط غرفة المولد الكهربائي.

أثناء الانسحاب، زرعت المجموعة لغماً أرضياً على طريق المسلخ الذي يربط بين مارون الراس وبنت جبيل.

في تمام الساعة 2.45 وحين وصلت المجموعة الى منطقة آمنة، دوى الانفجار الاول ليلحقه الانفجار الثاني بعد دقيقتين، والثالث الساعة 2.55 والرابع في الساعة 3.07. بينما لم تنفجر العبوة الخامسة. فقط بعد أكثر من نصف ساعة على سماع صوت العبوات، انفجر اللغم الأرضي في آلية عسكرية تابعة لجيش لحد أصاب من بها بين قتيل وجريح.

ظلت العملية طي الكتمان لكن خرقاً واحداً حصل في مكان آخر. تمّت تصفية الجندي جميل شهاب من بلدة حانين الجنوبية، في موقع تلة الشريفة في دير الزهراني حيث كان يخدم، بعد أيام على مشاركته في تنفيذ العملية وذلك في 5/ 12/ 1985.

ويجزم القيادي الميداني السابق في «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» أن ما تعرّض له الشهيد هي عملية تصفية اقدم عليه العدو الاسرائيلي عبر عملاء له، وان قرار اغتيال شهاب جاء رداً من قبل ميليشيات لحد على نجاح العملية.