Site icon IMLebanon

هكذا يفرض العالم «حياد لبنان»

لا يخفي زوّار لبنان استغرابَهم لتوَفّر الحدّ الأدنى من الاستقرار بوجوهه المختلفة. ففي مقابل الغليان الذي تعيشه الجارة الأقرب يبدو بالنسبة إليهم أنّ لبنان على المقلب الآخر من الفِتنة. وإذ لا يتنكّرون للدعم الخارجي فهم يقِرّون أنّ له سقوفاً يتَجاهلها بعض اللبنانيين، فيما هم مدعوّون إلى عدم الاسترسال بالتفاؤل، والعمل لملاقاة الجهد الدولي لتعزيز حياد لبنان. فكيف يمكن ذلك؟

يَعتقد البعض ممّن يشَكّكون دائماً بكلّ الأداء الدولي تجاه لبنان وأزمات المنطقة أن لا وجود لمِثل هذا المجتمع في غير الكتب والأدبيات الدبلوماسية، ويَستخفّون صبحاً ومساءً بقدراته، ليس على خلفية جَهلهم للدور البالغ في إرساء أسُس السلام الدولي، بل من أجل أن ينسبوا لأنفسهم أدواراً أكبر بكثير ممّا يتمتّعون به من قدرات. وهو ما جعلَ البعض الذي يرفض هذه المقولة يَعتقد عن قناعة أو من دونها أنّ العالم يقف على خاطرهم عند رسمِ الخطوط العريضة للسياسة الخارجية.

وخصوصاً عندما تنعكس هذه التوَجّهات على مصير بعض الدوَل والأنظمة التي بدأت تفتقد حدودَها الدولية ومقوّمات وجودها إمّا بتنازلها عن سيادتها على مساحات واسعة من أراضيها ومدنِها وشعبِها لطرف آخر محَلّياً كان أم إقليمياً، أو أنّها سَخّرَت ما تبقّى لها من قدرات لصالح هذا المحور أو ذاك دعماً لبقائها في السلطة ولو على صفيحٍ من نار ودمار ودماء.

ومن هذه الزاوية يتطلع المراقبون إلى حجم الدعم الدولي الذي يَحظى به لبنان في هذه الفترة بالذات، والذي ترجَمته خطوات دولية كبرى لا يمكن تجاهلُها مِن الخطط التي وُضِعت لتقوية الجيش اللبناني ومَدِّه بالأسلحة التي تَسمح له بالسيطرة على الأراضي اللبناني والدفاع عن حدوده.

وذلك في مواجهة مجموعات مسَلّحة تقارب في قدراتها قوّةَ الدول وترسانتِها من الأسلحة. عدا عن الدعم الدبلوماسي الذي وضَع حدوداً للكثير مِن المغامرات التي انتهَت أو أُرجِئت على الأقلّ وفقَ جدول أولويات أبعدَت الأراضي اللبنانية عن مرمى النيران.

ففي ظلّ الاهتمام الدولي بالشؤون اللبنانية والتأكيد الدائم على إبعاده عن مخططات التفجير ومساعدته لمواجهة الخلايا الإرهابية بخطوات أمنية استباقية تعَدّدت مظاهرُها في مواجهة الخلايا في أكثر من عملية في لبنان. فقد جاهرَ المجتمع الدولي بدعمِه لبنانَ بإجماع لم يتحقّق من قَبل، حتى الذين يصِرّون على التوَرّط الدموي في سوريا يؤَيّدون الحوار في لبنان بين مختلف المكوّنات منعاً للفتنة أو تسَرّب ما يجري فيها إليه.

بالأمس القريب أكّدَت الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ، في الجولة التي رافقَت فيها نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي أثناءَ تفَقّدِها وحدات الجيش المنتشرة في منطقة عرسال ومحيطها بأبلغ العبارات على ما يصِرّ عليه المجتمع الدولي، على الدور الوطني الذي يضطلع به الجيش اللبناني في مواجهة الإرهاب، وأكّدَت بشكلٍ حاسم على مواصلة دعم المجتمع الدولي لجهوده الآيِلة إلى الحفاظ على استقرار لبنان، في ظلّ الأزمات التي تشهَدها المنطقة العربية.

لا بل فقد زادَت لتقول: «إنّ الوجود في عرسال هو خط تماس بالنسبة إلى لبنان، وكذلك لأوروبا، لذا كلّ ما علينا فعله هو العمل مع المجتمع الدولي للحِرص على تجهيز الجيش بكلّ المعَدّات اللازمة والمنطقية في هذا الوضع، بدون أيّ تأخير»… ولفتَت إلى أنّ دعمَ لبنان وأمنَ وسلامة المواطنين «ليس رفاهيةً بل هو ضرورة، وأنّ الوقت جوهري». معرِبةً عن الأمل بأن ينال هذا الجيش «أقوى دعمٍ سياسي وعسكري».

وإلى هذا المظهر من مظاهر الدعم لا يخفى على كثير من المراقبين حجم الجهود الدبلوماسية التي يَبذلها بعض السفراء في حماية المؤسسات والحفاظ على وحدتها في مواجهة الاستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة. وسجّل لهم أكثر من موقف ضاغط لإمرار المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة، إلى أن اعترفَ بعض المسؤولين بالحاجة إلى أن يعَبّر بعض اللبنانيين عن حِرصهم على بلدِهم بشكل يوازي الحِرصَ الدولي.

على هذه الخلفيات، لا يَستسيغ ممثّلو المجتمع الدولي استمرارَ البعض بالتصَرّف في إدارة شؤون الناس بنوعٍ من الترَف السياسي لم يسبقهم إليه أحد. فهم يراقبون بدقّة متناهية التناغمَ القائم بين بعض المكوّنات اللبنانية لضربِ الاستقرار في لبنان على أساس أنّ هناك مَن يحمي البلادَ وفقَ خطوط حمرٍ رُسِمت بقوّة ويمكننا اللهو من تحتِها دون احتساب العواقب. عِلماً أنّ في هذا المنطق ما يدعو إلى القَلق مِن كمينٍ قد يُستدرَج إليه اللبنانيون في لحظةِ تَخَلٍّ. فحذارِ!؟