وكأن قتال حزب الله في سوريا سر كشف عنه النقاب في الساعات القليلة الماضية من خلال بضعة صور تم تسريبها عن عرض عسكري لقوات نخبة «الرضوان» في القصير السورية…والاكثر اثارة «للدهشة» الاسئلة حول «الرسالة» المقصودة من وراء هذا الاستعراض «غير المسبوق» للقوة المؤللة التابعة للحزب؟ والاكثر اثارة للغرابة والدهشة في آن واحد… هو البحث عن الجهة المقصودة من هذه «الرسالة»؟ هل هو الداخل اللبناني؟ هل هو جمهور المقاومة؟ هل هم «التكفيريون؟ ام اسرائيل؟ طبعا قد يكون الجواب الصادم والمفاجىء ان احدا من هؤلاء ليس مقصودا بهذا الحدث العسكري الذي لم يكن في نية اصحابه اصلا العلانية… انه مجرد عرض عسكري لوحدات تشارك في القتال في سوريا، المناسبة احياء يوم الشهيد فوق الارض التي استشهد وجرح فوقها العشرات من اخوة هؤلاء، تكريم المقاتلين لا يمكن ان يحصل في قاعة مقفلة، او من خلال «حفل كوكتيل»، «المعنويات» في العلوم العسكرية جزء رئيسي واساسي في المعركة، تكريم تلك الوحدات على الجبهة جزء لا يتجزأ من ادارة الحرب، فكان ما كان في «يوم الشهيد» من عرض عسكري كان مقدرا ان ينتهي في حدوده المعنوية والتكريمية الضيقة في القصير، احدى البلدات السورية التي تشكل قاعدة «لوجستية» اساسية للقوات المقاتلة في سوريا.. ولكن لانه حزب الله، ولانه احد اكثر القوى «المحركة» والمؤثرة في الحرب الدائرة على مساحة دول محور المقاومة ومع العدو الاسرائيلي، لا بد من عملية نسج للخيال والبحث عن «الخفاية» وحتى استنباط الوقائع الغيبية..
هذه الخلاصات لاوساط قيادية في 8آذار، تشير الى ان التفكير الهادىء والمنطقي يساعد على تظهير الصورة على حقيقتها، فحزب الله الذي ابلغ من راجعه حقيقة الموقف، لا يحتاج بعد نحو اربع سنوات من المشاركة الفعلية في الحرب السورية لاثبات جهوزيته، السيد نصرالله اكد اكثر من مرة ان المقاومة «ستكون حيث يجب ان تكون»، الدور المؤثر للحزب لا يحتاج الى «جرعة تأكيدية» قد يستغلها البعض «للاصطياد» في «الماء العكر»، محاولة استفزاز مشاعر الشعب السوري بدأت منذ اليوم الاول لدخول المقاومة الى سوريا، «حساسية» البعض آنذاك، تحولت الان الى اجماع على تقدير دوره في سوريا، الثقة التي تتمتع بها قيادة المقاومة وفي طليعتها السيد نصرالله لا يمكن مقارنتها مع اي طرف اخر يساعد السوريين في محنتهم، على امتداد المدن السورية قد تسمع تشكيكا او تبرما مثلا من المواقف الروسية «المبهمة» في كثير من الاحيان، لكنك لا يمكن ان تسمع كلاما يشكك بحزب الله ووفائه، ولذلك لا توجد حاجة الى بعث «رسائل» الى السوريين خصوصا ان البعض قد يسيء فهمها، او قد يتقصد تفسيرها على نحو مغاير للواقع…
من ناحية اخرى، فان القول بان العرض العسكري كان «رسالة» موجهة الى المجموعات المسلحة، مبالغة غير مقصودة من البعض، لان مثل تلك الرسائل يمكن ان تكون فاعلة ومؤترة، لو ان الحدث جرى قبل ثلاثة او اربعة اعوام، كان حزب الله يومها مجهولا لهؤلاء، لا يعرفون عن قدراته الكثير، ولا يدركون حرفية قواته، لكن بعد سنوات من المواجهات المباشرة، وبعد تجربة قاسية تعرفت كافة فصائل ومجموعات المعارضة السورية على مقاتلي الحزب، لا تحتاج قيادة المقاومة الى استخدام العرض العسكري «كمنصة» دعائية للتأثير في هؤلاء، الميدان يشكل ساحة مواجهة مفتوحة على مدار الساعة، وقيادات تلك الفصائل وداعميها الاقليميين والدولين يعرفون جيدا من تكون وحدات الحزب العسكرية وكيف ازدادت خبرتها وفعاليتها سنة بعد سنة، المواجهة الفعلية تدور على الارض ولا تحتاج الى حرب دعائية غير مؤثرة راهنا..
اما اسرائيل فلا شك انها معنية بكل تفصيل صغير او كبير يتعلق بحزب الله، تضيف الاوساط، لكنها لم تكن تحتاج الى مشاهدة بضعة آليات عسكرية مؤللة لتقتنع بأن «عدوها» الاكثر شراسة بات اقرب الى جيش صغير متمرس في الحرب الكلاسيكية كما في «حرب العصابات»، ما جمعته اجهزتها الاستخباراتية من معلومات حول تقدم مستوى وحدات المقاومة في ادارة العمليات العسكرية «المختلطة» في سوريا، اكثر من كاف لكي تشعر «بالتوتر» والقلق»، قيادة المقاومة تعرف بان الاسرائيلي يدرك هذه التحولات، وتعرف ايضا ان ما ينقصه من معلومات لا يتمحور حول تنامي قدراته التكتيكية والعملانية على الارض، وانما حول كل ما يتعلق «بالاسلحة الكاسرة» للتوازن والتي تبقى واحدة من اهم الاسرار العسكرية التي تبحث اسرائيل عن اجوبة حولها، ولو ارادت المقاومة ان تبعث «برسالة» مباشرة الى الاسرائيليين، لكانت كشفت عن جزء من منظومتها الصاروخية او الاسلحة المضادة للطيران..، ولكن قيادة حزب الله لا تمارس هذا النوع من «الردع» المكشوف في المواجهة مع الاسرائيليين، «الغموض البناء» يعتبر سر نجاح حرب «المفاجآت» على الجبهة الجنوبية، ولا تحتاج اسرائيل لمن يخبرها ايضا بان الجبهات في شمال فلسطين باتت جبهة واحدة، وان حزب الله بات حاضرا فيها بكامل قوته، خاضت قواتها تجربة عملية في الجولان، ولم يعد سرا ما اعلنه السيد نصرالله عن استراتيجية «توحيد الجبهات»…
وبحسب تلك الاوساط، لا حاجة لحزب الله ايضا ارسال «رسائل» للداخل اللبناني سواء للحلفاء او «للخصوم»، ولو كان الامر في توقيت مغاير لوجدت التحليلات والتأويلات مكانا لها، لكن مع نجاح الحزب في ايصال مرشحه الرئاسي الى قصر بعبدا، وتقديمه كافة التسهيلات لانطلاقة قوية للعهد، وفي ظل «تفاهم» «واقعي»جاهر به رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بفصل الملفات الداخلية عن ملف الحرب في سوريا، تصبح محاولات البعض لجر المقاومة الى سجالات داخلية حول القضية دون اي معنى، لان المعنيين بنجاح «التسوية» يدركون ان قيادة المقاومة غير معنية بتوجيه اي «رسالة» في الزمان والمكان الخاطىء…
اما الحديث عن «الرسالة» الى البيئة الحاضنة للحزب، فتحتاج الى التدقيق، لان جمهور المقاومة لا يمر اليوم بحالة من الوهن او الضعف، قوة المقاومة يعرفها كل فرد من هذا المجتمع من خلال احد افراد عائلته، او اقاربه، او جيرانه، هذا الجمهور لم تضعف روحه المعنوية في اشد لحظات الحرب السورية «قتامة»، يوم كانت تلك المواجهة «غامضة» وتحتاج الى شرح مستفيض، وضع هؤلاء ثقتهم العمياء بالسيد نصرالله، اليوم وبعد سنوات الحرب تلك اكتشفوا صحة خياره، الانتصارات باتت اكثر وضوحا، محور المقاومة يتقدم على كافة الجبهات، قوافل الشهداءغدت جزءا من حياتهم اليومية، «الواجب الجهادي» في سوريا اصبح جزءا من العقيدة، لا يحتاج هؤلاء الى عرض عسكري، تكفيهم اطلالة للسيد نصرالله…
وازاء ما تقدم، ثمة مبالغات كثيرة حول مقاصد الحزب واهدافه، ثمة من حشر نفسه بين الاطراف والقوى المعنية بهذه «الرسالة» لانه بذلك يشعر انه موجود، وهناك من في «مسلّة تحت…»، وثمة اطراف لا يرغب الحزب في طمأنتهم، والبعض من القيادات غير المدنية سألت وحصلت على اجوبة… لا تحتاج المقاومة الى اعادة الاعتبار الى دورها في الميدان السوري والى الاهمية الاستراتيجية الدائمة لحضورها هناك، هي موجودة بتنسيق كامل مع القيادة السورية، عندما تنتهي الحرب، سيعود حزب الله الى بيروت مقاومة، ولا طموح لديه كي يعود جيشا… يجد حزب الله الكثير من الصعوبة لاقناع الصديق قبل العدو، بالتعامل بواقعية مع بعض الاحداث، لكن دون جدوى، وتشرح احدى الشخصيات الوزارية السابقة هذه «المعضلة» بالقول: «عادة عندما يرفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «اصبعه» يهتم الجميع باحصاء عدد المرات بحثا عن «الرسائل»، فكيف اذا كان ثمة استعراض للقوة خلف الحدود؟؟؟…