عندي أنا الريموت كونترول يعمل بشكل طبيعي، لكن يبدو أنّ المشكلة هي في الصورة بحد ذاتها. أستطيع التنقّل بسهولة بين القنوات، لكنّ المشهد التلفزيوني العربي يبقى نفسه: مشهدٌ، الأطفال فيه يموتون ويتألمون ويجوعون ويبردون، وشباب يخسر حلمه وصوته وغَدَه، وشعوب تكافح لمَحو وصمة الإرهاب عن جبينها… لكن مهلاً، هل كنتم تتابعون برنامج «Arabs Got Talent»؟
لم تعد المحطات العربية، وفي غالبية برامجها، تمنح المشاهد مساحة للترويح عن نفسه بعد أن أصبحت مُنكبّة على تظهير «التعتير» الشرق أوسطي بكامل أناقته على أنه الهوية الجديدة لشعوب هذه القطعة من العالم. لم يعد هناك غبار ولا صقيع ولا أرجل صغيرة حافية تكفي لملء اللقطة التلفزيونية التي تمتصّ طراوة الابتسامة من على وجوهنا الشاخصة إلى مستطيل ألوان يروي تفاصيل أحزان.
التلفزيون قادر على اجتراع المعجزات، لكن قلّة إيماننا به تمنع حصولها، خصوصاً بعد ازدياد اتّكاله على سذاجتنا. وما بين نشرة أوجاع من هنا وخَبر مآسٍ من هناك، أصبحنا نلملم فتات أخبار مفرحة على درب نسينا معالمها عساها تعيدنا إلى حقبة كان فيها نجوم التلفزيون يرقصون لا يرتعشون، يغنّون لا يتأوهون، يبدعون لا يستشهدون.
وفي خضمّ هذا المسلسل التلفزيوني الذي وصلت رغوته إلى سقف صبرنا، لم يُجِب عن تضرّعات المشاهدين لتخفيف هذا «القرف» الإعلامي ودَحض الصورة النمطية سوى برنامج «Arabs Got Talent» الذي رمّم إيمانهم بسحر الشرق وإبداعات أبنائه، وبالتأكيد بناته.
وفي موسمه الرابع، ما زال مسرح البرنامج يغصّ بالمشتركين الموهوبين الذين يتدفقون من مختلف الدول العربية والأوروبية حاملين هوية أوطان دينها الفنّ وشعارها الإبداع.
كم من السهل المبالغة في المديح، وكم من الأسهل استعارة «سيْفَة» من جارور «المُبيّضين»… لكن لدى مشاهدة الوجوه المعتزّة بمهارات اكتسبتها على مدى السنين تثبت هويتها في برنامج «Arabs Got Talent» لن يكون من الصعب على أي مشاهد أن يتمتّع بالثناء على هذه الاكتشافات التي تُنسينا الكثير من البشاعة المتشبّثة بذاكرتنا.
لم تنته بعد مرحلة الاختبارات المخصّصة لاختيار المتأهلين إلى المرحلة التالية من البرنامج، وما زالت لجنة التحكيم متأهبة لاستقبال المزيد من المواهب والاستمتاع بعروضها، وحتى المشاهد الذي انبهر بما قُدِّم له حتى الآن متلهّف لمشاهدة المزيد، خصوصاً بعدما شهد عدداً من العروض المذهلة والأصوات الرائعة.
وفيما تنشغل أوروبا بعنصريتها تجاه العرب المتحدّرين من دول المغرب العربي على خلفية الأعمال الإرهابية المتجدّدة على أراضيها، جاء الردّ من مسرح «Arabs Got Talent» مع «Snoupy» الشاب المغربي الذي أذهل جميع المتابعين بعرضه البهلواني الفريد، ومن فريق «Crazy Dunkers» الجزائري الذي حوّل رياضة كرة السلة إلى استعراض مُبهر، وحتى المغربي صلاح القادم من فرنسا قدّم قطعة فنيّة من الرقص المعاصر بأسلوب «DupStep» سَحر لجنة التحكيم والتهبت له الصالة تصفيقاً.
ولمّا كدنا نقتنع والعالم معنا أنّ أطفال غزّة يموتون فقط، تزيّن مسرح البرنامج بحضور عدد من أولاد غزّة الهاربين من بين الدمار وبأصواتهم وإيقاعات آلاتهم الموسيقية التي لم تترك عيناً إلّا وأبكتها، فاستحقّ فريق «التخت الشرقي» «البَاز الذهبي» ليتأهّل مباشرة إلى المراحل النهائية، وليثبت للعالم أجمع أنّه وَسْطَ الموت في فلسطين وتحت أبنيتها المدمّرة هناك أحلام تتوق إلى الحياة.
وإذا ساهم التعميم الإعلامي خلال السنوات الماضية في ترسيخ صورة الإنحطاط الفنّي في ذهن المشاهد العربي، بعد أن استحوذت صورة الفنانات العاريات وفيديوكليباتهنّ الهابطة على المشهد العام… اكتسحت الفتاة المصرية ياسمين مسرح المواهب ومعه قلوب المشاهدين العرب جميعهم بصوتها العذب الذي أعاد إلى الأذهان صدى الزمن الجميل، زمن عمالقة الطرب من أمثال أم كلثوم وأسمهان ووردة.
أعزائي المشاهدين، على شاشاتكم، أطفال سوريا وغزّة يموتون فقط، والشباب من المحيط إلى الخليج يتجندّ للإرهاب من دون أي حلم آخر، وفتيات مصر والخليج يخرسن على صوت التشدّد والتخلّف… لكن على أرض الواقع يتبيّن أننا شعوب تحبّ الحياة وتتوق إلى الإبداع ولا تترك صوتاً يعلو فوق إبداعاتها… فاصل، ونعود ببرنامج آخر.