IMLebanon

هكذا تمّ ترتيب لقاء الحريري – فرنجية

لم يفاجئ «لقاء باريس» بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية قلة من المراقبين الذين واكبوا حركة الاتصالات منذ أن طُرِحت الفكرة. لكنّ الثابت أنّ هذا اللقاء هزّ التضامن الهشّ بين قوى «14 آذار» وأنّ هناك حالاً من الغليان تعيشها أوساط معراب، والأسوأ أن يكون ترجمة لفكرة السيد حسن نصرالله بأن يأتي رئيس الجمهورية من «8 آذار» ورئيس الحكومة من «14 آذار». فمن فكّر باللقاء ومَن سعى إليه من الألف الى الياء؟

يشير مطّلعون على الترتيبات التي سبقت اللقاء بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية ليل الثلثاء – الأربعاء الماضي في العاصمة الفرنسية، الى سلسلة من المحادثات سبقت اللقاء وتحديداً منذ أن وُلدت الفكرة قبل ثلاثة أشهر تقريباً بهدف وضع الترتيبات لكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاستحقاق الرئاسي بين فريقَي «8 و14 آذار» ومن خلفهما القوى الإقليمية التي تحكّمت بالكثير مما يتصل به، فانعكست تعطيلاً لمبادرات كثيرة ومزيداً من استمرار الشغور في قصر بعبدا وما خلّفه من شلل متمادٍ تسرّب الى المؤسسات الدستورية التشريعية والتنفيذية.

ويرد الراوي الفكرة الأولى لخريطة الطريق التي أدّت الى اللقاء فينسبها الى السفير الأميركي السابق في بيروت ديفيد هيل الذي دعا منتصف الصيف الماضي فرنجية الى لقاء عُقد في ضيافته وبقي سرّياً، نوقشت فيه التطوّرات المحيطة بالإستحقاق الرئاسي بصراحة حيث كان السفير الأميركي واضحاً في دعوته الى مبادرة لبنانية – لبنانية تكسر الحلقة الصلبة التي تطوّق الإستحقاق للخروج منه في مرحلة يبدو فيها أنّ العالم منشغلٌ بأزمة المنطقة وبات لبنان في آخر سلّم أولوياته.

عقب اللقاء، أسرّ هيل بفكرة ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية في مرحلة تلت سقوط معادلة ترشيح الدكتور سمير جعجع في مواجهة ترشيح العماد ميشال عون وبحجّة الحفاظ على الرباعية التي كرّستها مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بدعوته الى اللقاء الرباعي للأقطاب الموارنة في 19 حزيران 2013.

تجاوز مضمون اللقاء في ضيافة هيل مجرد أن يكون لقاءً إجتماعياً، بعدها نقل مضمونه الى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وتردّد أنه نقله أيضاً الى الرئيس السوري بشار الأسد، من دون أيّ معلومة عمّا إذا نقل الى العماد ميشال عون.

لم تتطوّر الفكرة قبل أن تصل الى مسامع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط على لسان هيل، فتلقّفه على أنه اقتراح يجب أن يبحث كما تقول الرواية، وأنه نقلها الى الحريري في زيارته الأخيرة الى الرياض الشهر الماضي والتي التقى خلالها القيادة السعودية من دون أن يثبت أنه تناولها معها بوضوح، على رغم أنه تداول بالفكرة مع الحريري على أنّها مجرد خطوة يمكن أن تخضع للنقاش.

ولم يصدر ما يوحي بأنّها خطوة جدّية، الى أن تطوّرت الإتصالات حولها بداية الشهر الجاري فطرحت في لقاءات إضافية عدة عبّر خلالها الحريري بأنّه يمكنه أن يخطو الخطوة الأولى في هذا الإتجاه وأنه على استعداد للقاء فرنجية، على أساس أنّ الإنفتاح على كلّ مكوّنات «8 آذار» جار منذ مدة، وهناك حوار بين جعجع وعون، وهو يخوض حواراً معلناً وجدّياً مع «حزب الله» برعاية الرئيس نبيه بري من دون أن يبلغ حلفاءه في «14 آذار» بما يمكن أن يقوم به.

وفي هذه الأجواء تسارعت الإتصالات الى أن أقدم صديق مشترَك لهما هو جيلبير شاغوري على توجيه الدعوة اليهما، مبدياً إستعداده لاستضافة اللقاء في منزله الباريسي بعدما قصده من نيجيريا قبل أيام عدة.

فكان اللقاء كما رسم له على أساس أنه لقاء سرّي وليس ما يوجب الإعلان عنه قبل أن يحصل ما حصل، فتسرّب خبر اللقاء ليترك على رغم بيانات النفي عتباً شديداً لدى فرنجية من دون أن تعرف ردة فعل الحريري حتى اليوم كما يقول الراوي، وليولّد غضباً كبيراً لدى بعض أقطاب «14 آذار» المسيحيين ولا سيما لدى «القوات اللبنانية» بعدما تردّد أنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قد تبلّغ شيئاً ممّا حصل من فرنجية الذي زار بكفيا قبل أيام من لقاء باريس، وما نقل عن الجميّل يومها من إشارة الى أنّ شيئاً ما قد تشهده المساعي المتصلة بالإستحقاق الرئاسي يقارب المفاجأة.

وهو أمر لم تحسمه أيّ مصادر كتائبية وخصوصاً أنّ لقاء باريس حصل في اليوم التالي للّقاء الموسَّع لممثلي قوى من الصفّ الأوّل في «14 آذار» ليلَ الإثنين – الثلثاء الماضي في بيت الوسط عشية اللقاء العاشر لهيئة الحوار الوطني في عين التينة، والذي شارك فيه الجميل ونائب رئيس حزب «القوات» النائب جورج عدوان من دون أن يتطرّق الى لقاء باريس.

وعلى رغم التبرير الذي قدّمه قادة التيار الأزرق بعد حصول اللقاء بأنهم لم يكونوا على علم به، فقد شهد اللقاء الثاني لأقطاب هذه القوى ليل الخميس

– الجمعة الماضي بعد ساعات على تسرّب الحديث عن اللقاء، إخفاء لمعلومات أخرى عن القادة المسيحيين تتصل بدعوة الحريري الى قادة «المستقبل» ومستشاريه ومدير مكتبه لزيارة الرياض يوم السبت الماضي، أيْ بعد يومين على لقاء بيت الوسط الثاني – بهدف التشاور في ما آل اليه اللقاء مع فرنجية وما يجب اتّخاذه من خطوات لاحقة.

على هذه الخلفيات، يدور حديث في الكواليس عن حالٍ من الغليان تعيشها أوساط معراب، فيما غابت ردات الفعل الكتائبية عن اللقاء بعدما تردّد أنّ النائب سامي الجميل قصد العاصمة الفرنسية أمس للقاء الحريري بناءً لدعوة شخصية منه تزامنت والدعوة المعلَنة لجنبلاط الذي قصدها برفقة وزير الصحة وائل أبو فاعور، عصر الأحد على متن طائرة خاصة أوفدها الحريري لهذه الغاية.

وأكثر من ذلك، تقول الأوساط السياسية الضيقة التي واكبت اللقاء بين الحريري وفرنجية وما سبقه وما تلاه أنّه دقّ أبواب التضامن الهشّ في ما بين قوى «14 آذار» وهو يُهدّد بردات فعل أكبر خصوصاً إذا فسّرتها أوساط «القوات اللبنانية» بأنها العملية الثانية التي يُقدِم عليها الحريري من دون علم حلفائه المسيحيين بعدما عادوا بالذاكرة الى مسلسل اللقاءات السرّية التي عُقدت بين الحريري وعون وصهره الوزير جبران باسيل في روما وباريس والرياض، وكان جعجع ما زال المرشح الوحيد لـ»المستقبل» وقوى «14 آذار» في تلك المرحلة.

على كلِّ حال لن يطول الوقت كثيراً ليتّضح الخيط الأبيض من الأسود وللتثبّت ممّا ستكون عليه ردات الفعل المعلنة على اللقاء، وما يمكن أن ينتجه على رغم رؤية الكثيرين لفشله في بلوغ عتبات بعبدا. لكنّ الثابت الى الآن أنّ اللقاء هزّ التضامن الهشّ بين قوى «14 آذار» أكثر بكثير من قوى «8 آذار». والأسوأ أن يكون اللقاء ترجمة لمبادرة السيد حسن نصرالله بأن يكون رئيس الجمهورية من «8 آذار» ورئيس الحكومة من «14 آذار».