Site icon IMLebanon

هكذا انطلقت مرحلة «الربيع العربي» الثانية

الصورة لا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح: الإمبراطورية الفارسية قيد ولادة جديدة، وستقابلها الإمبراطورية العثمانية. وفي كل الأحوال، حقوق إسرائيل الإمبراطورية مُصانة. هذا هو «الربيع العربي» على حقيقته. والمجتمع الدولي لا يتدخل اليوم إلّا لتكريس «الإنجازات» التي يجري تحقيقها على حساب العرب

الأشد خطراً، عند نهاية مفاعيل سايكس- بيكو، لن يكون رسم الخرائط الجديدة بين الكيانات العربية الوليدة على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي، بل سيكون نهاية الإستقلال العربي «النسبي»، الذي تحقّق تدريجاً وفي نسبٍ متفاوتة بين دولة وأخرى، على مدى 100 عام مضت.

فما يجري اليوم يرهق الكيانات العربية، ولا سيما المشرقية منها، ويضربها في العمق ويُفتّتها لتكون مناطق نفوذ للقوى الإقليمية التوسعية: إسرائيل، في الدرجة الأولى، وإيران وتركيا.

ولن تكون قيامة لهذه الكيانات العربية بعد «الربيع»، بل ستكون بمعظمها «كيانات سابقة». ولأنها شبيهة بحجارة «الدومينو»، سيؤدي سقوط بلدٍ إلى سقوط البلدان الأخرى تباعاً. لم يرحل الفرنسيون والبريطانيون عن الشرق إلا بعدما زرعوا إسرائيل.

وأمّا الإمبراطوريتان القديمتان، العثمانية والفارسية، فكانت قد غابت عنهما الشمس يومذاك. وأمّا اليوم، فيكفي التأمل في البروز «النيو عثماني» في سلوك رجب طيِّب أردوغان، والتوسُّع الإمبراطوري الواضح لطهران، فيما إسرائيل مرتاحة إلى النتائج في أي حال.

وعلى البقعة العربية التي باتت هي «الرجل المريض»، تدور حروب السيطرة بين القوى الثلاث: تركيا وإيران وإسرائيل. وفي النهاية، عندما تستنفد الحروب نيرانها، ستتفاهم هذه القوى على تقاسم المنطقة العربية. وثمّة اقتناع لدى محللين إستراتيجيين بأنّ التفاهمات حاصلة مسبقاً، وأن ما يجري اليوم ليس سوى ترجمة لها. وواضح في الفترة الأخيرة أنّ استدراج العروض قد بدأ من الجانب الإيراني من خلال طريقين:

1- إعلان مستشار الرئيس الإيراني، الشيخ علي يونسي، أنّ بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية. ولاحقاً خفَّف يونسي من الصدمة بإعلانه أن لا عودة للإمبراطوريات، لا العربية ولا العثمانية ولا الفارسية. ولكن كان لافتاً تأكيده أنّ المنطقة، «التي تضمّ ايران والعراق وأفغانستان وآسيا الوسطى والقوقاز وبلدان الخليج الفارسي، تمتاز بكيانية واحدة من الناحية الثقافية والتاريخية والحضارية».

2- إدارة إيران المباشرة للمعارك في العراق وسوريا واليمن، حيث حققت إنجازات عسكرية مهمة في السيطرة على القرار وعلى أجزاء واسعة من هذه البلدان. وثمّة ما يقارب الـ15 تنظيماً وميليشيا أنشأتها إيران في هذه الدول للتحرّك حيث تدعو الحاجة.

وهذا ما أعلنه نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي، قبل أسابيع، إذ كشف عن وجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإيرانية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف «حزب الله» في لبنان. وترافق ذلك مع ما أعلنته مصادر غربية عن إنشاء إيران «حزب الله السوري»، الذي يضمّ آلافاً من الإيرانيين، عناصر الحرس الثوري الذين مُنِحوا أوراقاً ثبوتية سورية، إضافة إلى عراقيين ويمنيين وأفغان.

إذاً، يبدو أنّ المرحلة الأولى من «طبخة» «الربيع العربي» قد انتهت، أو شارفت على الانتهاء، أي تجهيز البلدان العربية المحيطة بإسرائيل للتفتيت، بعد إضعاف سلطاتها المركزية إلى الحدّ الأدنى. فالعراق وسوريا واليمن في مآزق كيانية، ومصر في نقاهة، ودول الخليج في قلق شديد. وأمّا لبنان فينتظر دوراً أساسياً في تظهير الصورة الأخيرة، وليس هناك دليل على إضعاف سلطته المركزية أقوى من الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي والبرلماني.

ويقف الأردن على برميل بارود، لكنّ فتيل اشتعاله ممسوك جيداً بأيدٍ دولية… حتى إشعارٍ آخر، لأنّ إسرائيل تريد أن تكون فيه خلاصة الحرب: حلّ القضية الفلسطينية. فالمرحلة الثانية من ثمار «الربيع العربي» انطلقت، وهي تحضير الأرضية للتقاسم الإقليمي، بين «الإمبراطوريات». وقد تستغرق هذه المرحلة وقتاً أطول من الوقت المستهلك في المرحلة الأولى، لكنّ الشرق الأوسط على نار، والعرب هم الواقِدُ والوَقود.