IMLebanon

الزعتر زراعة طبّية فهل تدعمها الدولة؟

 

ما في أطيب من الزعتر، كلمة ردّدتها الحاجة فاطمة التي كانت تُعدّ منقوشة صاج في معرض “يوم الزعتر الجنوبي”. الحاجة السبعينية لم تتخلّ يوماً لا عن الصاج ولا عن الزعتر، كلاهما جزء من يومياتها المثقلة بالتعب، فهي ترعرعت على خبز الصاج، وعشقت تلك المهنة التي باتت محدودة هذه الايام، الا ان الحاجة فاطمة ترفض مغادرتها لانها جزء من تراث الجدود ومن مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب لبنان من أقصاه الى أقصاه.

 

قبل عدّة اعوام، كان الزعتر مرتبطاً بقلّة من المواطنين يرتادون البراري بحثاً عنه، عكس هذه الايام حيث باتت الشتلة الخضراء مصدر رزق المئات، بعدما استفحل الفقر في المنازل، وبات كل مواطن يبحث عن مصدر عيش لا يتأثر بالهزّات الاقتصادية الارتدادية التي أكلت كلّ مقدرات الناس.

 

في بلدة يحمر الشقيف ينشغل الحاج علي وزوجته الحاجة رندة بإعداد الزعتر الذي يأتي به الحاج علي من “الوعر” ويبحث عنه لساعات وساعات. فالزعتر البرّي ذو فوائد جمّة، على عكس المدجن الذي بدأ عدد من المواطنين زراعته كبديل عن شتلة التبغ، ومرجح أن تتوسع رقعة الأراضي المزروعة بالزعتر في السنوات المقبلة نظراً لأهمية تلك الشتلة، ولأنها تدرّ زيوتاً طبية تدخل في إنتاج الادوية، وكان لبنان قد خسر عرضاً اماراتياً بشراء أكثر من ٥ اطنان من زيوت الزعتر لأن الكمية المنتجة غير كافية، ما دفع للتفكير في تطوير تلك الزراعة على أن تدعمها وزارة الزراعة. يحمل الحاج علي وعاء مليئاً بأوراق الزعتر اليابس، ينقيها من الشوائب، إعتاد على هذا الطقس منذ 15 عاماً، فهو يعمل في هذا القطاع، ويعتمده مصدر رزق اساسياً. لا يتعب ولا يكلّ من ارتياد البراري يومياً خلال هذه الفترة، يأتي بحوالى الـ 5 الى 6 كيلو، وهي كمية قليلة مقارنة مع ما كان يحصده في السنوات الماضية، والسبب يعيده الى تزايد عدد المواطنين الذين يعتمدون على الزعتر لتأمين مورد لهم بعدما ضاقت بهم سبل العيش. وِفق الحاج علي “الناس بدّا تعيش، كلّنا بدّنا نعيش”. يتعاون مع زوجته في تحضير الزعتر الأخضر الذي يحتاج الى تجفيف تحت أشعة الشمس لأيام ثم تنقيته من الشوائب قبل بيعه. بحسبه، الكيلو يصل الى 75 الف ليرة نظراً الى تعبه”.

 

لا يتوقف الزعتر عند التجفيف فقط بل بدأت ربّات المنازل بصناعته وانتاج المقطرات والزيوت العطرية التي تدخل في صناعة الادوية، وهي صناعة تعتبرها الحاجة رندة “العشق الحلو” اذ تنصرف من خلالها عن مشاكل الحياة، فالسيدة التي تشتهر بإعداد المونة البيتية، تعتبر الزعتر ركيزة أساسية في مونتها التي تحضّرها للبيع، وتشتهر بصناعة الزعتر المقطّر وزيت الزعتر الذي يستخدم لأغراض طبّية ويداوي الرشح والسعال ويقوّي جهاز المناعة وِفق ما تؤكّد. خلف موقد النار الذي ترتفع فوقه الكركة، تمضي الحاجة قرابة الـ 5 ساعات في تقطير الزعتر، وِفق قولها “كل 5 كيلو زعتر اخضر تنتج 5 قناني زعتر مقطر، أما الزيت فنسحبه عبر إبرة بعد ان يطفو على سطح المياه المقطرة”، وتؤكد أن الانتاج كان يمكن ان يكون أكبر لو كان هناك دعم وتسويق اكثر، وتشير الى “ان الزعتر يُعدّ اليوم من الزراعات والصناعات الرائدة التي يحتاجها قطاع الدواء، غير أننا في لبنان لا نولي ثروتنا الزراعية عناية”، وبحسب قولها فإن “مقطّر الزعتر يصلح ليكون دواء وعلاجاً لكثير من الامراض، وكان يمكن تصديره لو كان هناك دعم، فكثر يكتفون بتيبيس الزعتر من دون الدخول في تصنيعه خشية عدم ايجاد سوق تصريف”.

 

عادة ما تشكّل المعارض بوابة للحاجة رندة وصغار المزارعين لتسويق انتاجهم، تماماً كما حصل مع معرض “يوم الزعتر الجنوبي” الذي نظمته بلدية النبطية ووزارة الزراعة وجهاد البناء الانمائية، وقد جاء ليشكّل بوابة انطلاق جديدة للمزارعين بعدما باتت صناعة الزعتر حاجة ملحة هذه الايام وِفق ما يؤكد المشاركون الذين يدعون الى توسيع رقعة الاراضي المزروعة زعتراً وايلاء هذا القطاع اهمية نظراً لحاجته الطبية. يكفي أن الانتاج الجنوبي باب أول، وكل الدول العربية والاوروبية تطمح لشرائه شرط وجود كمية كافية، وهذا ما يدعو اليه المهندس خليل عليق، مؤكداً الحاجة الى دعم هذه الزراعة، ويرى “أن الانتاج الحالي لا يسدّ أكثر من 30 بالمئة من حاجة السوق ما يدفعنا لاستيراد الزعتر من الخارج، في وقت نملك كل المقومات التي تؤدي الى تحسين الانتاج وتشجيع المزارعين لزراعة هذه الشتلة المهمة”. وِفق عليق “يتوجب على الدولة دعم هذا القطاع وانشاء ريجي خاصة به لتصريف انتاجه، سيما وان الانتاج ذو جودة عالية جداً”، مشدّداً على “أن صناعة الزعتر بجوانبها المتعددة تعزز الصناعات الزراعية وتعطي فرصة للبنان للنهوض بإقتصاده، وهذا يتطلب فقط اعداد خطة وتطويرها ودعم المزارع، خاصة بعدما بدأ عدد كبير من الناس بزراعة الزعتر المدجن وانتاج الزعتر البلدي منه”، فهل تلتفت الدولة الى هذا القطاع؟ أم تغضّ الطرف كما حال كل القطاعات؟