بإمكان اللبنانيّين أن يأخذوا نفساً عميقاً. فالقطار الرئاسي انطلق، ولا توقُّف إلاّ عند محطة انتخاب الرئيس العتيد، ولا عودة إلا بصحبته في اتجاه قصر بعبدا حيث الشوق قد ملأ الأمكنة، وضجَّ ضجراً من الفراغ والوحدة.
وهذا الأمر بذاته إنجاز من شأنه دفع اللبنانيّين الى خلع وجوه القلق والتشاؤم، وارتداء وجوه تطفح بالفرح، والأمل، والاستعداد لاستقبال مرحلة جديدة تنقلهم الى أجواء مختلفة وإلى لبنان الاستقرار، والانطلاق مجدَّداً.
بالطبع، لا نقصد بهذا الكلام لعباً على المعنى والمبنى، إنما نعني كل كلمة اخترناها بعناية فائقة.
المشكلة الوحيدة، أو العقدة البارزة الآن تتمثَّل باختيار المرشّح للمنصب الرئاسي من لائحة تخبِّئ بين طيّاتها ثلاثة أو أربعة أسماء ممن تتوافر فيهم الصفات المطلوبة، وبنِسَبٍ مختلفة وحظوظ متفاوتة.
واقعياً، هنا سرُّ الحكاية الرئاسيَّة التي ابتهج الناس ترحيباً ببزارها الذي انفتح أخيراً، وبعد معناة لامست حدود اليأس والقنوط وحزم الحقائب.
لا خوض في الأسماء في هذه الفترة، وإبّان انهماك “الطبّاخين” في تحضير كل مستلزمات ومتطلبات الاستحقاق. من تذليل العقبات المعروفة بجزئها الشكلي، والغامضة بالنسبة الى الجزء العملي.
كما لا حاجة الى التذكير بأن “العقبة” لا تزال مقيمة في ضيافة الجنرال ميشال عون، لاعتبارات لا تحتاج الى سرد وتفنيد. وفي الوقت نفسه يرى البعض ان اللغز وحلّه في حضن “حزب الله”.
في السياق عينه ثمة مَنْ يذهب الى ربط الاستحقاق وانفراجاته وانطلاقته، والى حدّ كبير، بالرئيس سعد الحريري. وبالموقف الذي سيصدر عنه في هذا الخصوص. وبما سيعلنه كنتيجة وموقف أخير، وبمن يسمّي ويختار ويؤيّد من “باقة” المرشّحين.
هل من مفاجأة بالنسبة الى انتقاء اسم الرئيس العتيد في اللحظة الحاسمة؟
المخضرمون يجيبون بسهولة أن عدداً من المرشحين الرئاسيّين ناموا رؤساء واستيقظوا ليجدوا أن الرئاسة باتت في حضن سواهم. واللائحة طويلة.
عدا أنّ لا شيء يمنع أن يشهد لبنان مرّة أخرى منافسة رئاسية حامية، وعلى المنخار، على غرار ما حصل في صيف 1970 بين الرئيس سليمان فرنجيّة والرئيس الياس سركيس.
كل الاحتمالات واردة. إلا أنّ لا عودة الى “زمن الفراغ المطلق”. مجرّد مرحلة انتظار ريثما ينتهي العرّابون والطبّاخون من انضاج عملية اختيار مرشّح تؤهله صفاته ليكون هو الرئيس التوافقي.
المستشار الأعلى للإمام علي خامنئي علي أكبر ولايتي نثر ورود تفاؤله في أجواء بيروت قبل أن يغادرها… مؤكداً “أن الآمال في ما يتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية قد ازدادت، وتبشّر بالخير”.
وهذه إشارة، بل بشارة، إيرانية فيها ما فيها.