الارباك والتباطؤ والضياع التي تميز عمل هذه الحكومة خصوصاً وانطلاقة العهد عموماً، لن تسمح للتغيير ان يحصل وللاصلاح ان يبدأ، في حين ان الاهتراء المعشش في مفاصل الدولة، ينمو ويكبر ويكاد ان يصبح الغول الذي سوف يلتهم الدولة بكاملها، ولاعطاء صورة تأكيداً لهذا القول يمكن الاستشهاد ببعض التقارير الدولية والمحلية التي تعطي صورة جد سوداء عن واقع الحال في دولة لبنان.
بداية هناك تقرير من الدوائر المعنية في الامم المتحدة، تصنف لبنان في المرتبة 137 عالمياً من حيث الفــساد، والتقرير ليــس جــديداً، ولم يصدر عن الحكومة اية ردة فعل حول التصنيف المعيب.
مؤخراً، منذ يومين او ثلاثة، نشر البنك الدولي تقريراً كشف فيه ان 36% من سكان لبنان الشمالي فقراء او تحت خط الفقر، والادهى – وفق التقرير – ان هذه النسبة ليست الارفع، بل هي تحتل المرتبة الثانية بعد المرتبــة الاولى التي يحتلها سكان منطقة البقاع، في حين ان 27 بالمئة من سكان لبنان يعانون الفقر والفاقة، اما بسبب غياب المشاريع المنتجة، او بســبب البطــالة التي تطول اكثر من ربع سكان لبنان، وهذا الوضع – وفق البنك الدولي – ليس الى تراجع بل هو الى تصاعد.
ان اختصار هذه التقارير باسطر قليلة، لا يعطيها حقها، ويفترض بالوزارات والاجهزة والدوائر المعنية الانكباب على دراستها لوضع خطة سريعة تحمي شعب لبنان من تصنيفه في نهاية الامر بانه شعب فقير وبائس في دولة فاسدة.
اما بالنسبة لما يحصل في الداخل وتتعامل معه الحكومة بمكيالين واسلوبين، فهو التصرف كالاسود والذئاب، حيث تتنمر على المواطنين المسالمين الابرياء العزل، الا من الاعتراض الديموقراطي، وهذا التصرف يحصل في اكثر من منطقة ومدينة وبلدة، وتتحوّل الى خروف من دون قرون حتى، عندما يتعلّق الامر بمسلحين فالتين على رؤوسهم في الشوارع والاحياء والمنتجعات، يرهبون الناس الآمنين ويعتدون عليهم وعلى قوى الامن ان هي بالصدفة حاولت ان تتدخل، اما بالنسبة للعراضات العسكرية التي تجتازالمناطق راجلة او في السيارات. في شكل فج ومستفّز، فحدث ولا حرج، ويفتش المواطنون عن قوى امنية تتدخل، او وزير معني يستنكر ما يحصل، فلا يقعوا الا على صمت الاموات، ولا تدرك هذه الحكومة المعوقة، ان هذه الاحداث والتصرفات تؤسس لفتنة طائفية او مذهبية او سياسية، اذا «مش اليوم»، فغداً او بعد غد، وعندها حيث لا ينفع الندم.
* * *
من حق اللبناني ان يفهم، ان التفاهم السياسي، الذي ادّى الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وسعد الحريري رئيساً للحكومة، وتعيين الوزراء وفقاً لهذا التفاهم، هو لمصلحة الناس، المواطنين، المغلوب على امرهم، العائشين في ضيق، والقلقين على المستقبل، وليس لمصلحة هذا الشخص او ذاك، او هذا الحزب او ذاك، وعندما ارادوا ان يرفعوا من قيمة «التفاهم السياسي»، اطلقوا عليه اسم «التسوية السياسية» ليتبين لاحقاً، ومع الايام، ان لا تسوية هناك، لان للتسوية شروطاً يتم الالتزام بها لتبقى صامدة، وليس ان يعود كل فريق ليغني موّاله، الذي كان عليه قبل التفاهم.
مرة ثانية، نقول للحكومة والحكم، «مش ضابطة الامور»، يا من وليّتم امرها.