IMLebanon

تكريت إلى كنف بغداد

يبدو أنّ الحكومة العراقية ستستعيد السيطرة على مدينة تكريت خلال ساعات، لتكسر العملية أسطورة السياسة منذ حزيران: المحافظات الغربية انفصلت عن بغداد. صحيح أنّ النجاح العسكري قد لا يترجم سياسياً، لكن الأكيد، بأقل تقدير، أنّ الميدان العراقي بدأ يبتعد عن معادلات «التحالف»

ما يقارب عشرة أيام من العمليات العسكرية في بعض أقضية ونواحي صلاح الدين كانت كافية للحكومة العراقية، ولقوات «الحشد الشعبي» وقوى عشائرية محلية مساندة لها، من أجل الوصول إلى قلب مدينة تكريت (عاصمة المحافظة)، من دون مشاركة مقاتلات «التحالف الدولي». معادلة كان، ربما، من الصعب توقعها في الأول من الشهر الحالي حين أعطى رئيس الحكومة، حيدر العبادي، إشارة بدء عملية «لبيك يا رسول الله» من مركز العمليات في مدينة سامراء.

وبعيداً من التصريحات الأميركية المرافقة للعملية ومن النشر المكثف، غير المعتاد، لصور قائد «فيلق القدس»، الجنرال قاسم سليماني، في ميادين المعركة بصفة مستشار، يبقى الحدث عراقياً بدرجة أولى: أول عملية ينجح خلالها العراقيون في استعادة مدينة كبيرة خرجت عن السيطرة بعد التاسع من حزيران الماضي.

وأمس، أكدت المصادر الميدانية أنّ القوات العراقية دخلت الجزء الشمالي من تكريت، قبل استكمال الاقتحام من الجنوب والغرب. وقال لواء لوكالة «فرانس برس»: «نحن الآن نقوم بمهمات قتالية لتطهير حي القادسية»، أحد أكبر أحياء المدينة الواقعة على ضفاف نهر دجلة. وأضاف: «تمكنا من استعادة السيطرة على مستشفى تكريت العسكري القريب من مركز المدينة، لكننا نخوض معارك في غاية الدقة، لأننا لا نواجه مقاتلين على الأرض، بل عمليات قنص وأرضا ملغّمة… تحركنا بطيء». وأشار مصدر آخر إلى أن القوات دخلت، بعد الظهر، مناطق في جنوب تكريت وغربها، من دون أن يتضح إلى أي حد تمكنت من التقدم.

ديمبسي معقباً: المسألة

هي ما سيحدث بعد ذلك

وفي حديث إلى «الأخبار» (أحمد علاء)، قال القيادي في «منظمة بدر» (إحدى ركائز الحشد الشعبي)، علي العلاق، إن «القوات الأمنية وابطال الحشد الشعبي تمكنوا من تطهير بعض المناطق والأحياء في مدينة تكريت»، مؤكداً دخول «حي القادسية والحي الصناعي ومستشفى تكريت». وأضاف أنّ «النيران الكثيفة للقطعات الأمنية وأفراد الحشد الشعبي أضعفت داعش»، لافتاً إلى أنّ «عناصر التنظيم هربوا باتجاه جبال حمرين وقضاء الحويجة (محافظة كركوك)». وأوضح في حديثه أن «الطريق المؤدي الى جهة هروبهم تكثر فيه البساتين، ما يحقق لهم الوصول بعيداً عن أنظار طيران الجيش». وقال، أيضاً، إن «عناصر التنظيم أعدموا العديد من المتعاونين معهم من تنظيم حزب البعث».

وحتى وقت متأخر من مساء أمس، كانت المصادر الميدانية تؤكد أنّ استعادة المدينة باتت مسألة وقت، بينما وجّه العبادي، «قيادات العمليات في صلاح الدين وقيادات الحشد الشعبي بالتزام حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم».

وتزامناً مع معارك صلاح الدين، كانت مدينتا الرمادي والفلوجة في الأنبار تشهدان تطورات أمنية مهمة، إذ شنّ التنظيم هجوماً في الرمادي، شمل تفجير 12 عربة مفخخة، بينها على الأقل سبع عربات عسكرية مفخخة من طراز «هامر» يقودها انتحاريون. وتلت التفجيرات اشتباكات وإطلاق قذائف «هاون». وأدت الهجمات إلى مقتل 17 شخصاً على الأقل، بينهم 14 عنصراً من قوات الأمن، وإصابة 38 آخرين، بحسب مصادر أمنية.

في هذا الوقت، توقع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، أن تحقق القوات العراقية انتصاراً مؤكداً، لكنه عبّر عن قلقه بشأن المرحلة اللاحقة. وقال، في جلسة بمجلس الشيوخ: «ليس هناك شك في أن قوات الحشد الشعبي وقوات الأمن العراقية ستتمكن من طرد مقاتلي (داعش) من تكريت»، لكنه أضاف أنّ «المسألة هي ما سيحدث بعد ذلك من حيث استعدادهم للسماح للعائلات السنية بالعودة إلى أماكنهم، وهل سيعملون على إعادة الخدمات الأساسية التي ستصبح ضرورية، أم أن ذلك سيؤدي إلى وقوع فظائع وعقاب». وفي إشارة إلى مقاتلي «الحشد الشعبي»، قال ديمبسي: «إنني أصفهم بأنهم تلقوا تدريباً إيرانياً، وأنهم مزودون بمعدات إيرانية»، مضيفاً أن ليس لديه ما يشير إلى أنهم يريدون مهاجمة القوات الأميركية. ورأى المسؤول الأميركي العسكري الذي زار بغداد قبل ثلاثة أيام أن نتيجة تكريت ستتحدث عن مدى ما إذا كانت إيران ستستخدم نفوذها في العراق «بطريقة بناءة». وقال إنّ «عملية تكريت ستكون منعطفاً استراتيجياً على نحو أو آخر من حيث تهدئة مخاوفنا أو زيادتها».

في الجهة المقابلة، رأى القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، أن «تنظيم داعش الإرهابي سيزول من العراق بعد تحرير مدينة تكريت، لأنه لن يستطيع المقاومة في أي مكان بهذا البلد» (بحسب وكالة «فارس»). وقال، في تصريحات صحافية على هامش اجتماع مجلس خبراء القيادة، إنه بالنظر إلى «الأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها مدينة تكريت ووقوعها في نهاية سلسلة جبال حمرين، لذلك فإن الرسالة التي توجه بعد تحرير هذه المدينة تتمثل بأن تنظيم داعش الإرهابي لن يستطيع الصمود في أي مدينة أخرى بالعراق». وأضاف أنه «لو كان داعش يستطيع المقاومة في تكريت لقاوم، لأن المرتفعات الواقعة قربها كانت تساعده على ذلك وحين فشل في الصمود، فإن ذلك يعني أن المدينتين الباقيتين بيده، أي الفلوجة والموصل، ستتحرران من يد عناصره أيضاً وسيزول داعش من العراق».