Site icon IMLebanon

تيلرسون وديبلوماسية «باور بوينت»

 

وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون منهمك بجداول وأرقام وحسابات برامج «باور بوينت» و «إكسيل» لتنفيذ معجزته الإدارية واقتطاع موازنة وحجم الوزارة، فيما العالم يشتعل حوله والديبلوماسية الأميركية تتهاوى في سقوط حر وتُستبدل بها تحركات فرنسا وروسيا في الشرق الأوسط والصين والهند في القارة الآسيوية.

الحق يقال، تيلرسون لم يكن يوماً ديبلوماسياً، وقبِل المنصب بناء على نصيحة زوجته ريندا سان كلير. رشحه ترامب منذ عام للمنصب بسبب بنيته الجسدية، كما قال المستشار السابق ستيف بانون، ورصيده التجاري مديراً لعملاقة النفط «أكسون». إلا أن عقود النفط، من كردستان إلى قطر إلى روسيا، التي أبرمها الوزير لم تترجم إلى صفقات ديبلوماسية لتيلرسون في الخارجية، وبنيته الجسدية لم تفلح في إنهاء أزمات إقليمية تضاعفت في حدتها وانقساماتها منذ وصوله المنصب.

الديبلوماسيون في الخارجية يتحدثون عن شخصية انطوائية، قليلة الكلام، ومنغلقة في مديرهم الحالي. يتجاهل الإيجازات والأوراق المعدة حول أزمات لا تهمه، بينها النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولا يتواصل مع المكاتب والسفارات في مناطق الأزمات. لا بل حتى اليوم ليس هناك سفير أميركي في السعودية أو تركيا أو قطر أو الأردن، وليس هناك مساعد دائم لمكتب الشرق الأدنى، وديفيد ساترفيلد في مهمة موقتة ستنتهي قريباً. تيلرسون منشغل في عروض «باور بوينت» حول تقليص حجم الوزارة وصرف ألفي شخص مع نهاية العام المقبل. الوزير المتقوقع يتصل فقط بمكتب «التخطيط السياسي» بحسب صحيفة «بوليتيكو»، وعلاقته سيئة مع البيت الأبيض ويتذمر بين الحين والآخر بأن صهر الرئيس جاريد كوشنر لا يستأذنه قبل الخوض في ملفات شرق أوسطية.

كيف يستأذنه كوشنير وهو غير مكترث أصلاً بملفات وقضايا ساخنة؟ خلال أزمة الأقصى، رفع مسؤولون في الخارجية الأميركية طلباً لوزيرهم للاتصال بالجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وطلب وساطة أردنية، وجاء الطلب مع إيجاز معد بتفاصيل القضية وأبعادها لتيلرسون. الوزير لم يرفع السماعة، والأرجح أنه لم يقرأ الإيجاز أيضاً، والديبلوماسية الأميركية غارقة في الحضيض في عملية السلام، كما هي في سورية واليمن وأزمة لبنان الأخيرة ومع إيران. لا استراتيجيات ولا خطط واضحة في أي ملف من هذه، بل تغريدات من ترامب بأحرف كبيرة أحياناً، وتمتمة من تيلرسون تتضارب في حالات كثيرة مع مواقف البيت الأبيض.

فسورية اليوم جرى تلزيمها أميركياً للجانب الروسي، الذي يدير المفاوضات وحضوره في المنطقة غير مسبوق في تدوير الزوايا بين تركيا وايران والأكراد واسرائيل، والتنسيق مع الجانب الأردني. أما في الأزمة اللبنانية، فاتضح حجم الافلاس الديبلوماسي لتيلرسون، الذي عدا اتصال واحد بوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، سلم الملف للجانب الفرنسي وسط حديث محتمل عن دور أكبر لرئاسة ماكرون في الملف الإيراني. وبعد شهرين من عدم مصادقة ترامب على الاتفاق النووي مع إيران، ليس هناك أي وضوح من الخارجية حول الخطوات المقبلة منها أو من الكونغرس.

الحديث يتزايد في واشنطن عن إمكان خروج مبكر لتيلرسون من الوزارة بداية العام المقبل، أي بعد مرور عام على موافقة الكونغرس على تعيينه في ١ شباط (فبراير) المقبل. وهناك من يقول إن تيلرسون ينتظر مدة العام بسبب الإعفاءات الضريبية على تعويضه السخي من «أكسون» في حال انتظر هذه الفترة، وأن مدير الاستخبارات المركزية مايكل بومبيو أو السفيرة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي هما أبرز المرشحين لخلافته.

خروج تيلرسون في حال تم بعد عام في المنصب سيحتاج إلى سنوات لإصلاح الضرر الذي أحله بالديبلوماسية الأميركية وبالوزارة نفسها، ولا يمكن تصور أن أياً من المرشحين المقترحين يمكن أن يكون أسوأ منه، إذ على الأقل سيملأ هو أو هي حقائب السفراء ويبدي اهتماماً بالعمل الديبلوماسي. فالوزارة التي أدارها عمالقة الديبلوماسية الدولية من أمثال دين آتشيسون وجيمس بيكر وهنري كيسينجر تبقى أعرق من أن تقوضها جداول «باور بوينت» وبيانات الاستثمار القريبة من قلب تيلرسون.