وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يزور موسكو في مناخ متوتر يذكّر بأجواء الحرب الباردة أيام الجبّارين الأميركي والسوفياتي. وليس من السهل ان يساعده في تبريد الأجواء وسام الصداقة الروسي الذي قلّده إياه الرئيس فلاديمير بوتين كرئيس لشركة اكسون موبيل. ولا أن يخدمه في البحث عن اتفاق حول سوريا ما يضعه على الطاولة من أوراق. فالرئيس دونالد ترامب الذي أمر بضربة صاروخية لمطار الشعيرات يتهم الرئيس بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية في الغارات على خان شيخون والمسؤولين الروس بدعمه وتغطيته. وبوتين يتحدث عن معلومات لديه حول عمل استفزازي مفاجئ يتم الاعداد له لضرب قوات النظام السوري عبر دفع المعارضين الى استخدام الأسلحة الكيماوية واتهام الأسد بذلك. واذا أخذنا بما يقوله الطرفان، فان ما نشهده هو مباراة في التلاعب بالوقائع لخدمة سياسات واقعية وحسابات باردة.
لكن اللعبة مكشوفة، أو أقله ان المكشوف فيها حاليا هو تبادل خداع النفس. موسكو التي ناتجها القومي يساوي ٤٠% من الناتج القومي لألمانيا وحدها تخدع نفسها حين تتصور انها قادرة على احتواء قوة عظمى هي أميركا ومعها أوروبا بما ربحته في حرب سوريا وما فعلته وتفعله للتأثير في نتائج الانتخابات، بحيث ترى نوعا من رجال بوتين في البيت الأبيض والأليزيه والمستشارية الألمانية. وواشنطن تخدع نفسها عندما تتصرّف كأن ضربة عسكرية في سوريا ورسالة من وزراء الخارجية في مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع تكفيان لاقناع بوتين ب التخلي عن الأسد. لا بل تساهمان في حشره لاتخاذ قرار في خيار محدّد: نحن أم الأسد؟
ومن المفارقات ان الطرفين يعرفان الحقائق. فالوضع العسكري حيث تتعدّد القوى المسيطرة على أجزاء من سوريا، ليس من النوع الذي يسمح بحلّ عسكري كامل، ولا في المرحلة التي تمهّد لنهاية الحرب. والصفقة المفترضة بين أميركا وروسيا ليست ناضجة بعد. فلا موسكو تريد أن تكون التسوية محصورة في الاطار الجغرافي السوري، ولا واشنطن تقبل، حتى اشعار آخر، توسيع اطار التسوية ليشمل أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو بعد ضمّ شبه جزيرة القرم وبعض الاهتمامات الأخرى.
ولا أحد يعرف ما هي الترجمة العملية لقول تيلرسون ان أولويات واشنطن هي البحث عن خيارات استراتيجية في سوريا. فالادارة الأميركية تنقلت خلال أيام بين الأولويات: من الأولوية للقضاء على داعش، لا لازاحة الأسد الى الأولوية بالتوازن بين ضرب داعش وبين تسوية في سوريا لا مكان فيها للأسد. وأبسط ما يعنيه الكلام الآن على البحث عن خيارات استراتيجية هو أن أميركا تحاول رسم استراتيجية بالمياومة والمفرّق وحسب الوقائع والتطورات. وهذه ليست استراتيجية قوة عظمى، ولو في خدمة أميركا أولا.