ليس من المألوف أن يعقد وزير للخارجية الأميركية مؤتمرا صحافيا على عجل ليعلن انه باقٍ في المنصب. المألوف في اللقاءات الصحافية المفاجئة هو اعلان الاستقالة أو تحديد الموقف الرسمي من تطورات دراماتيكية. لكن الوزير ريكس تيلرسون الرمادي الهادئ فعلها على طريقة مكره لا بطل. فهو تحمّل الإذلال العلني من الرئيس دونالد ترامب الذي ناقض غير مرة مواقف وزيره. ورضي بخفض موازنة الخارجية ٣٠% وابقاء المراكز الأساسية فيها شاغرة وما وصفه كولن باول بأنه الابتعاد من القيم التأسيسية لأميركا، وسمّاه وليم بيرنز وويندي شيرمان تمزيق الخارجية وتدمير دور الديبلوماسية في أمننا القومي. ولم يكن أمامه في الرد على الاشاعات الرائجة عن استقالته سوى الايحاء انه غريب عن أورشليم الأميركية حيث تدور حرب عصابات سياسية دائمة.
من السهل على تيلرسون القول انه ملتزم المهمة التي كلّفه بها الرئيس. لكن من الصعب أن يمسك بسياسة خارجية تخدم المهمة. فالمطلوب أولا، كما يقول أندرو باسيفيتش مؤلف كتاب الحرب من أجل الشرق الأوسط الكبير، هو انقاذ أميركا أولا من ترامب. والمعادلة، حسب باسيفيتش، هي انه اذا كانت السياسة تعني مثالا للسلوك يمكن التنبؤ به، فان السياسة توقف وجودها حين أخذ ترامب المنصب.
وليس على الذين ينتظرون رسم استراتيجية اميركية لتحقيق الشعارات التي رفعها ترامب سوى البحث عن شيء آخر. فلا ترامب محترف القصف العشوائي عبر تويتر يمكن ان يتغير، لأنه يظن ان ما هو عليه يبقى سر نجاحه. ولا تيلرسون استطاع اقناع المسؤولين في الخارجية بأنه يرسم بالفعل سياسة حين قال لهم: المسألة بسيطة جدا: القضاء على الارهاب والراديكالية والتعامل مع الصين.
ذلك ان ترامب أخاف حلفاء اميركا من دون ان يقلق خصومها. فلا ما التزمه في الرياض ترجمه الى خطة عملية، أقله في مواجهة النفوذ الايراني. ولا تبنيه للدعوة الى تسوية اقليمية للصراع العربي – الاسرائيلي بدا اكثر من تسليم بما تحلم به اسرائيل. ولا التفاهم الاميركي – الروسي الذي لا بد منه لانهاء حرب سوريا وترتيب النظام الاقليمي ومعه النظام العالمي يبدو على جدول الاعمال امام ترامب في ظروف اميركا المعقدة، وسط دعوة الرئيس فلاديمير بوتين امام السفير الاميركي الجديد في موسكو الى قيام علاقات بنّاءة واضحة الأسس يسودها تعاون يصب في مصلحة البلدين.
تيلرسون باق في الخارجية، لكن السياسة الخارجية على مزاج ترامب، والاستراتيجية ضائعة، والعالم في فوضى، والشرق الاوسط يغلي.