تحمل زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون اليوم الخميس الى لبنان الكثير الكثير… فهذه الزيارة هي الأولى لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية للبنان ودول المنطقة منذ سنوات… فسلفه جون كيري زار بيروت في العام 2014 في زيارة خاطفة خلال اندلاع الحرب السورية لمعرفة كيف سيتعامل لبنان مع الإرهاب. فهل يأتي تيلرسون الى لبنان والمنطقة لأنّ بلاده مهتمّة بأزمات دول الشرق الأوسط وبمصلحتها أم بمصلحة إسرائيل وبالوقوف في وجه توسّع النفوذ الإيراني الذي يُهدّد وجودها؟!.
من المؤكّد أن تيلرسون سيعرض، وفق أوساط ديبلوماسية في بيروت لمواضيع عدّة تتعلّق بلبنان وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة من خلال ما ستنتهي اليه الأزمة السورية، وإن كانت زيارته الى بيروت ستشمل بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي ولن تتعدّى الساعات، لكنه سيعقد في نهايتها مؤتمراً صحافياً في السراي للردّ على كلّ الأسئلة التي سيطرحها الإعلاميون عليه. وسيتمّ التركيز خلال مباحثاته مع المسؤولين اللبنانيين على ملفات ساخنة عدّة، منها داخلية وأخرى متعلّقة بدول الخارج وفق العناوين الآتية:
1- ملف النازحين السوريين، إذ سيطرح تيلرسون إبقاءهم في لبنان كونه البلد الأقرب لسوريا، الى حين التوصّل الى الحلّ الشامل للأزمة السورية، مع استمرار دعم الشعب اللبناني لاستضافتهم.
2- العقوبات الأميركية على «حزب الله» وحلفائه، وسيُطالب الحكومة اللبنانية العمل على الحدّ من أنشطة الحزب قدر الإمكان رغم علمه بأنّه شريك فعلي في الحياة السياسية، سيما وأنّه سيُثير «الدور المدمّر الذي يلعبه حزب الله في لبنان ومختلف أنحاء المنطقة»، من وجهة النظر الأميركية. فالولايات المتحدة تعمل على احتواء التمدّد الإيراني وحلفائه وأبرزهم «حزب الله»، وستقوم بأي تسوية ممكنة لوقف هذا التمدّد.
3- المساعدات الأميركية السنوية للجيش اللبناني والقوى الأمنية التي سيؤكّد على استمرار بلاده بإرسالها بهدف أن يُواصل الجيش حربه ضدّ الإرهاب توصّلاً للإنتصار عليه.
أمّا الملفات المتعلّقة بدول الخارج التي سيركّز تيلرسون عليها في محادثاته فهي تتمحور بجزء منها حول نتائج مهمة نائب مساعده السفير ديفيد ساترفيلد في لبنان. وسيؤكد ان الولايات المتحدة الأميركية حريصة على استقرار لبنان ولن تحصل اي اشكالات على الحدود، وسيطرح ضرورة ركون لبنان الى مقترحات ساترفيلد، رغم أنّه قد جرى إبلاغه بموقف لبنان الموحّد حولها في التصدّي لكلّ التعديات الإسرائيلية على الحدود البحرية والبريّة وعدم الفصل بينهما. وسيُحاول إقناع لبنان، على ما أشارت الأوساط نفسها، بضرورة الفصل بين هذه الحدود (على ما تودّ الحكومة الإسرائيلية) حفاظاً على أمن واستقرار البلد.
أمّا الجانب اللبناني فسيبلغ تيلرسون إصراره على عدم التفاوض فيما يتعلّق بمقترحات ساترفيلد العودة الى «خط هوف» (نسبة الى الموفد الأميركي السابق فريديريك هوف) وتقاسم الثروة النفطية بين لبنان وإسرائيل (60 % لنا و40 % لإسرائيل) لأنّ البلوكات تدخل ضمن حدود لبنان المعترف بها دولياً في العام 1923 والتي ينطلق منها لبنان. كما أنّه لا يعترف بخط الإنسحاب في العام 2000 ولا بخط لارسن الذي تمّ ترسيمه في العام 2006، والذي يُعرف بالخط الأزرق، لكي يُوافق ساترفيلد على اقتراحاته المنحازة للجانب الإسرائيلي. كما سيضعه في ضوء التطوّرات التي حصلت جرّاء المفاوضات، إذ تمّ الإتفاق على ترسيم 7 نقاط حدودية تمتدّ من خط رأس الناقورة، رميش، كفركلا وصولاً الى الوزّاني من أصل 13 نقطة متنازع عليها. ولهذا يجب استكمال التفاوض بين الجانبين على ما يتبقّى من نقاط خلافية وعددها 6 قبل استكمال بناء الجدار العازل، وإلاّ فإنّ الجيش اللبناني سيكون جاهزاً لفتح النار في اتجاه الجانب الإسرائيلي بتهمة ليس فقط خرق القرار 1701، وإنّما الإعتداء على لبنان والإستيلاء على أجزاء من أراضيه.
2- الأزمة السورية وما تؤول اليه المؤتمرات الدولية للتوصّل الى حلّ سياسي بشأنها، ومحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وتزويد «حزب الله» بأسلحة متطوّرة عن طريقها.
3- سيعرض كذلك للوجود الفلسطيني في لبنان وللنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، وسيسعى الى تهدئة ردّة الفعل اللبنانية (والعربية) على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل والبدء ببناء سفارة أميركا فيها، مشدّداً على أنّ واشنطن ما زالت ملتزمة بالتوصّل إلى سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتقول الأوساط نفسها بأنّ أكثر ما يهمّ تيلرسون خلال زيارته الى لبنان هو تأمين مصلحة إسرائيل وما تريده بالنسبة لتقاسم الثروة النفطية مع لبنان في البلوكات التي تلامس الـ 860 كلم مربع المتنازع عليها، لا سيما البلوكات 8، 9، و10 التي تقتطع منها بضعة كيلومترات بحسب الخط المرسوم بين إسرائيل وقبرص والذي ينتهي عند النقطة 1، وليس كما يطالب لبنان على النقطة 23 بحسب الخرائط الدولية وحقوقِه المائية الموثّقة لدى الأمم المتحدة. فيما مواصلة إسرائيل بناء للجدار الفاصل عند الحدود الجنوبية يتعلّق بمسألة التفاوض على النقاط المتبقية والدور الذي ستلعبه الأمم المتحدة في هذا المجال، وهو يُعتبر اعتداء على السيادة اللبنانية وخرقاً للقرار الدولي 1701. علماً أنّ إسرائيل تتذرّع بأنّها تبني الجدار لحماية مستوطناتها الشمالية كونها لن تتحمّل إقامة مصانع إيرانية لإنتاج الأسلحة لـ «حزب الله» عند حدودها مع لبنان. وبرأيها، إنّ دعم نظام طهران للحزب هو المسألة المركزية التي تعمل إسرائيل على إبلاغها للدول الغربية من أجل أن تتدخّل وتوقفه، سيما وأنّه، من وجهة نظرها، يُقوّض الإستقرار في المنطقة بشكل خطير.