في كلِّ مرة يزور فيها بيروت زائر أميركي، تكثر التكهنات وتتفاوت التوقعات، فكيف إذا كان هذا الزائر هو وزير الخارجية الأميركي؟
زيارة ريكس تيلرسون إلى بيروت دامت نحو 6 ساعات، كانت حافلة جداً بثلاثة لقاءات مع الرؤساء الثلاثة، في قصر بعبدا وفي عين التينة وفي السراي الحكومي حيث تُوِّجت بمؤتمر صحافي مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وغادر بعدها لبنان فيما بقي مساعده السفير ديفيد ساترفيلد في بيروت لعقد اجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين، في سياق السعي الأميركي لإيجاد المخارج للخلاف اللبناني – الإسرائيلي على الحدود البحرية المتعلقة بالبلوك رقم 9 المتنازع عليه. وقبل المغادرة كشف تيلرسون عن أفكار وصفها بالجديدة لتخطي العراقيل والعقد، من خلال دعوة واشنطن إلى عدم طلب أيِّ شيء من الطرفين، لكنها ستطلب منهما إيجاد الحلول. هذا يعني أنَّ واشنطن لا تحمل مبادرة في هذا الخصوص، لكنها تتعهد بأن ترعى متابعة الجهود لإيجاد مخارج لقضية الحدود البحرية.
***
ماذا كان عليه الموقف اللبناني؟
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي كان أول مَن التقاهم تيلرسون، اعتبر أنَّ الهدوء في المنطقة ينعكس إيجاباً في لبنان، وتوجَّه إلى تيلرسون قائلاً:
إننا ندعو المجتمع الدولي والدول الفاعلة إلى إيجاد حلٍّ سريع للحرب السورية وأوضاع المنطقة وتطبيق القرار الدولي 1701، لأنه يؤدي إلى انتفاء الحاجة إلى السلاح داخل لبنان.
***
في السراي الحكومي كان الرئيس الحريري مدافعاً عن القطاع المصرفي في لبنان بعد الهجمة التي تعرض لها، والإجراءات المتلاحقة من وزارة الخزانة الأميركية، وتوجه رئيس الحكومة بالقول للوزير تيلرسون:
القطاع المصرفي اللبناني لا يزال حجر الأساس في اقتصادنا، وهذا القطاع متين وسليم ويخضع للإشراف الدقيق، ويلتزم كلياً القوانين والأنظمة الدولية.
***
في موازاة أهمية الزيارة الأميركية لبيروت، فإنَّ ما شابها من شكليات بروتوكولية جعلها مادة تندر للسياسيين ولوسائل الإعلام ولصفحات التواصل الإجتماعي. وكان تركيز على مسألة وصول تيلرسون إلى قصر بعبدا قبل دقائق من الموعد المخصص له مع رئيس الجمهورية، ما جعله ينتظر وحيداً بين ست وسبع دقائق، إلى حين وصول نظيره الوزير جبران باسيل، الذي تردَّد أنَّه علِق بازدحام السير مثله مثل سائر المواطنين بسبب الإجراءات التي اتُّخِذت بين المطار وقصر بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي، ما جعل بيروت تختنق من الإجراءات الأمنية على شرف الضيف الكبير.
البعض تحدث عن رسائل لبنانية من وراء هذا التأخير، لكن إذا تمَّ أخذ الموضوع من الناحية المنطقية فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو:
لماذا اعتماد أسلوب الإشكالية البروتوكولية طالما أنَّ بالإمكان إيصال أيِّ اعتراض بالكلام المباشر أو من خلال المذكّرات التي يمكن تقديمها للجانب الأميركي؟
فلو أنَّ ازدحام السير في لبنان مسألة مصطنعة، لكان بالإمكان القول إنَّ الإزدحام هو الرسالة القاسية، لكن الإزدحام في لبنان يساوي بين الناس فيعلق فيه المواطن العادي والوزير، وهذا ما حصل مع الوزير باسيل.