مسكنات سياسية للملفات الخلافية ومقاربة الحلول الفعلية إلى ما بعد الانتخابات
زيارة تيلرسون وتطورات المنطقة دفعا باتجاه تعزيز التفاهم الرئاسي
بري مستعد لإطلاق النفير العام في المجلس فور إحالة الحكومة مشروع الموازنة للعام 2018 إليه
على بُعد ساعات من وصول وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون إلى بيروت، بدا المشهد السياسي الداخلي وكأنه في أفضل حال، وأن الانسجام الرئاسي عاد إلى مرحلة ما قبل اندلاع أزمة مرسوم الأقدمية، وقد أعطت التطورات في المنطقة ولا سيما التهويل الإسرائيلي على لبنان من خلال محاولة سرقة ثروته النفطية قوة دفع لهذا الانسجام وجعله أقوى من ذي قبل، وهو ما يجعل أهل الحكم يتعاطون بالمسائل والملفات المطروحة بروح من الايجابية بعيداً عن الجدل والنكد ولعبة وضع العصي في الدواليب وعض الأصابع.
وقد بدا واضحاً أن الرؤساء الثلاثة إما من خلال اللقاء الثلاثي الذي عقد في بعبدا، أو من خلال لقاء «الخبز والملح» الذي تمّ في عين التينة بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري لديهم الرغبة والتحسس في نقل البلد من مرحلة الفوضى السياسية إلى مرحلة الوئام السياسي الذي يتمخض عنه تفاهمات حول مختلف القضايا الأساسية والملفات الداخلية، وباكورة هذه التفاهمات كان طي أزمة المرسوم الذي كاد أن يطيح بالعلاقات الرئاسية ويقطع شعرة معاوية بين القوى السياسية. كما تترجم هذه التفاهمات المتأتية من تحسس المسؤولين بمخاطر المرحلة من خلال توحيد الموقف اللبناني تجاه التهديدات الاسرائيلية، وإعلان الرؤساء الثلاثة قرار التصدّي لأي عدوان إسرائيلي جديد ناجم عن مضي تل أبيب في بناء الجدار الفاصل على الحدود.
أما على مستوى الملفات الخلافية الداخلية لا سيما الحيوية منها مثل الكهرباء والنفايات والوضع المالي فيبدو أن هناك اتجاهاً من «ترويكا» الحكم لمقاربة هذه الملفات بمسكنات سياسية من دون الدخول في حلول جذرية لها، كون أن ذلك يتطلب جهوداً كبيرة ومناخات سياسية معينة هي غير متوافرة في الظرف الراهن.
ومن المنتظر أن تترسخ هذه التفاهمات أكثر فأكثر على عتبة الدخول في مدار الانتخابات النيابية التي يحرص الجميع حصولها على وضع حالة الوئام السياسي الموجودة بعيداً عن التشنجات التي كان ينسج لها للاستثمار على دعم الاستقرار السياسي في البلد خلال اندلاع أزمة «المرسوم».
من المؤكد أن تنفيس الاحتقان السياسي وتبريد النفوس هذا سيرحّل كل الملفات إلى ما بعد الانتخابات النيابية كون أنه بعد إعلان النتائج ستبدأ معركة حك الركب السياسي باعتبار أن خارطة سياسية جديدة ستولد في ضوء هذه المعركة وهي بالطبع ستكون حجر الأساس للمرحلة السياسية المقبلة.
ويأتي من بين الأولويات أيضاً التي تفرض نفسها على الواقع السياسي هو التحدي المتأتي من النافذة الجنوبية في ظل التصعيد الاسرائيلي على الحدود بإصرار تل أبيب على بناء الجدار الفاصل الذي سيمتد إلى النقاط المختلف عليها، لأنه من الواضح أن اسرائيل تريد خلق واقع جديد في البحر كما فعلت على البر من خلال الخط الأزرق، بمعنى انها تريد رسم حدود بحرية تمكنها من وضع اليد على «البلوك 9» وحرمان لبنان قدر الإمكان من الاستفادة من ثروته في البحر على مستوى النفط والغاز. وهذا التوجه الإسرائيلي يُشكّل مفتاحاً لتوترات كبيرة في حال أصرت إسرائيل على المضي في مخططها العدواني، وهذا الأمر يعيه لبنان تماماً، ومن هذا المنطلق أبلغ الأمم المتحدة ومجلس الأمن بصورة قاطعة بأنه سيتصدى لذلك، ولو أدى ذلك إلى إندلاع حرب، خصوصاً وأن الجانب الإسرائيلي قدّّم أجوبة سلبية حتى الساعة من خلال التمسك ببناء الجدار الاسمنتي في المنطقة التي حددتها إسرائيل أي ضمن النقاط المختلف عليها مع لبنان.
وإذا كانت الأنظار في الوقت الحاضر مشدودة في اتجاه الجنوب ورصد ما يُمكن أن تقوم به إسرائيل لكي يبني لبنان على الشيء متقضاه، فإن هناك سعياً داخلياً للحفاظ على الاستقرار المالي وكذلك على الدورة الاقتصادية من خلال العمل على إقرار الموازنة العامة للعام 2018، إذ أنه يتفرض أن تكون هناك مصداقية لدى الحكومة الملزمة بالدعوة إلى جلسات متتالية وسريعة لمجلس الوزراء لإقرار مشروع قانون هذه الموازنة ومن ثم إحالته إلى مجلس النواب، مع العلم أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أكد استعداده اعلان الاستنفار العام في المجلس في حال أحيل مشروع الموازنة اليوم وذلك لعقد جلسات متتالية للجنة المال لكي تتمكن من إنجاز الموازنة ضمن الفترة المتبقية من عمر المجلس الحالي لكي لا نقع في المحظور، خصوصاً وأننا كنا قد وقعنا في دوّامة قطع الحساب لسنوات طويلة وبقيت الدولة تصرف على قاعدة الاثني عشرية منذ العام 2005 إلى العام الماضي، لأننا في حال لم نقر هذه الموازنة في الفترة المتبقية من الآن ومن اجراء الانتخابات النيابية سندخل الدوامة نفسها. وهذا بالتأكيد سيكون على المسار المالي والاقتصادي في البلد، من دون أن يسهو عن بالنا أن هناك مؤتمرات دولية ستعقد لمساعدة لبنان، وإذا كان حال الدول هكذا فحري بنا أن نساعد انفسنا من خلال المحافظة على الانتظام المالي وكذلك الحفاظ على المواعيد الدستورية.