العمليات الاستباقية الناجحة التي نفذها الجيش في عرسال قبل بضعة ايام، حركت ملف النازحين السوريين وارتفعت اصوات في لبنان كحزب الله والتيار الوطني الحر ومعهما قوى الثامن من آذار تطالب الحكومة بالتفاوض مباشرة مع النظام السوري لتأمين عودتهم الى بلادهم، بعدما تحولوا الى ملاذ آمن لارهاب داعش وغيره من التكفيريين، وارتفعت في المقابل اصوات من جانب ما تبقى من قوى 14 آذار كالقوات اللبنانية وتيار المستقبل ترفض فتح اي حوار مع نظام فقد شرعيته حتى لا يمنح هذا النظام فرصة دخول نادي الشرعية من بوابة عودة قنوات التواصل مع الدولة اللبنانية فضلا عن انعكاساتها السلبية على سياسة النأي بالنفس التي تعتمدها الدولة اللبنانية.
صحيح ان وجهات النظر مختلفة بين مكونات الحكومة حول هذا الملف الذي كشفت المداهمات التي قام بها الجيش في عرسال مدى هذه الخطورة، غير انه من الصحيح ايضاً ان يبحث المسؤولون عن حلول جذرية تؤمن عودة اللاجئين السوريين الى المناطق الآمنة داخل سوريا من دون ان تضطر الحكومة الى فتح قنوات التواصل مع نظام فقد شرعيته من جهة، ومن دون ان يتسبب الخلاف حول هذا الموضوع الى ازمة داخلية تطيح بكل الانجازات التي تحققت حتى الآن، وتعيد لبنان الى وضعية الانقسام العامودي التي كانت سائدة طوال الازمة الرئاسية، وخلال الاشتباك السياسي الذي سبق الوصول الى اتفاق على قانون جديد للانتخاب والتي رتبت نتائج خطيرة على لبنان من ضمور في النمو العام وصل الى حدود الصفر الى خطر دائم على المالية العامة والى مشاكل اجتماعية جمة من ارتفاع منسوب هجرة الشباب الى الخارج الى ارتفاع مستوى الجريمة، والى ما يسمى خطر تحول مناطق لبنانية عدة الى ملاذ آمن للارهاب الداعشي وكل انواع الخلايا الارهابة الاخرى التي فرت من العراق بعد انتصار الجيش على داعش فيها ومن سوريا بعد التدخل الروسي القوي الى جانب جيش النظام الفاقد الشرعية الدولية والعربية بقرار من مجلس جامعة الدول العربية.
فإذا كان الاتصال بالنظام السوري للتنسيق معه لتوفير سبل عودة النازحين السوريين الى بلادهم، وفق ما يطالب به حزب الله والتيار الوطني الحر بلسان رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل مرفوضا من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري ومعه ما تبقى من قوى 14 آذار على رأسهم القوات اللبنانية بلسان رئيسها الدكتور سمير جعجع كون مثل هذا الاتصال يساهم في تعويم النظام السوري ويعرض سياسة النأي بالنفس التي تقوم عليها سياسة لبنان الرسمي، لاشكالات متعددة وكبيرة مع الدول العربية ومع المجتمع الدولي الذي اسقطت حكوماته الشرعية على النظام السوري، فثمة طرق اخرى ما زالت مفتوحة امام الحكومة لمعالجة هذا الملف الداهم والخطير يمكن اللجوء اليها، واسرع هذه الطرق هو التواصل مع الامم المتحدة، وشرح المخاطر التي تهدد لبنان جراء استمرار اللاجئين السوريين فيه بهذا الشكل المتفلت من اية ضوابط ويطالبها بأن تلحظ من ضمن خططها للمرحلة المقبلة إعادة النازحين الى المناطق التي اصبحت آمنة في سوريا، والى حين توفير كافة السبل امام هذه العودة تتكفل منظمات دولية برعايتهم في لبنان فتكون بذلك قد اوجدت حلاً انسانياً للاجئين السوريين في لبنان، وضمنت بذلك الحفاظ على الاستقرار فيه والذي تهدده بشكل حقيقي هذه القنبلة الموقوتة.