بعدما كثرت “الممرات الالزامية” التي توصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، فإن مجلس النواب يبقى المكان الوحيد الذي تصب فيه كل الممرات سواء كان العماد ميشال عون هو المرشح الوحيد للرئاسة أو ممراً اليها، أو أصبح التوصل الى اتفاق سعودي – إيراني هو الممر الالزامي، وهو اتفاق لن يتحقق إلا إذا توقفت الحرب في اليمن وسوريا بحل أو تسوية ليصير في الامكان الاتفاق على رئيس تسوية للبنان كما تمّ التوصل الى حكومة تسوية برئاسة تمام سلام.
والسؤال المطروح هو: هل سيكون لمقاطعي جلسات انتخاب الرئيس موقف جديد اذا كانوا يريدون فعلاً رئيساً من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج يفرضه على جميع اللبنانيين؟ فيتحمل المقاطعون عندئذ اذا استمروا في مقاطعتهم جلسات الانتخاب مسؤولية صنع الرئيس في الخارج كحل لا بدّ منه وعندها لا يعود مسموحاً القول إن الطائفة الشيعية تأتي بشخص قوي الى رئاسة المجلس، والطائفة السنية تأتي بشخص قوي أيضاً الى رئاسة الحكومة، في حين ان الطائفة المارونية لا تستطيع ذلك، والسبب معروف وهو أنها غير متفقة على اختيار هذا الشخص ولا تدع الأكثرية النيابية المطلوبة تختاره باعتمادها سياسة تعطيل النصاب والتهديد بالشارع، وهي سياسة لم تلجأ اليها لا الطائفة السنية ولا الطائفة الشيعية، إنما لجأتا الى الأصول الديموقراطية والى أحكام الدستور في جعل الأكثرية النيابية تنتخب رئيس المجلس وتسمية رئيس الحكومة بموجب استشارات يجريها رئيس الجمهورية. فليس إذاً من حق النواب المسيحيين، ولاسيما منهم الموارنة، ان يشتكوا من عدم وصول رئيس قوي للجمهورية اسوة بالسنّة والشيعة، ما داموا أنهم لم يفعلوا مثلهم باتفاقهم على مرشح لرئاسة المجلس ومرشح لرئاسة الحكومة، أو بحضور جلسات مجلس النواب وليس مقاطعتها ليصيب الخلل الفادح “الميثاق الوطني” ولتدخل البلاد في الفراغ الشامل الذي يقودها الى المجهول.
لذلك فان القيادات في لبنان تتحمل مسؤولية ترك الخارج يصنع رئيساً للجمهورية قد لا يكون يعبّر عن ارادتها تعبيراً صحيحاً، وقد يقدم مصلحة هذا الخارج على مصلحة الوطن، وربما يأتي نتيجة مقايضات وفرض شروط غير دستورية كما حصل في “مؤتمر الدوحة”.
إن الحل السليم لأزمة الانتخابات الرئاسية هو في احترام الدستور وعدم مخالفته وذلك بالنزول الى مجلس النواب والاعتراف بنتائج انتخاب الرئيس، وليس مطلوباً من الدول الشقيقة والصديقة إذا كانت فعلاً كذلك، سوى أن تساعد على ذلك، لاسيما إيران، لان من يعطل جلسات الانتخاب هم حلفاؤها في لبنان، وما عليها، إذا كانت فعلاً صديقة له وتريد له الاستقرار الدائم والثابت، سوى دعوة هؤلاء الى حضور جلسة الانتخاب والعمل داخل الجلسة على جعل الأكثرية النيابية تنتخب هذا المرشح أو ذاك لا أن تربط انتخاب الرئيس بتحقيق تقارب مع السعودية أو بحل كل الازمات في المنطقة لتبقى مدة الشغور الرئاسي في لبنان طويلة، الأمر الذي يهدّد مصيره وكيانه.
يقول ديبلوماسي عربي عندما سئل عن موعد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، إن القادة في لبنان إذا لم يتفقوا على انتخاب هذا الرئيس ولا على حضور جلسة الانتخاب فانهم قد ينتظرون طويلاً اتفاق الخارج المعني بهذا الانتخاب. وهو اتفاق يبدأ أولاً بصنع صورة رئيس تكون على قياس “برواز” يعمل الخارج على صنعه، والأخطر من كل ذلك أن يطول اتفاق الخارج المعني على صنع “براويز” على قياس رئيس لأكثر من دولة في المنطقة بعد الاتفاق على صيغة الحكم فيها بحيث تكون صورة الرئيس على شكل هذه الصيغة. فاذا تقرر أن يكون لبنان على صيغة الحكم السويسري أو النمسوي، فينبغي أن يكون الرئيس ملائماً لهذه الصيغة. واذا تقرر أن يكون جرماً يدور في فلك هذا المحور أو ذاك، فان الرئيس المنشود ينبغي أن يكون له وجه يلائم ذلك ويصلح له.
فعلى القيادات في لبنان من مختلف الاتجاهات والمذاهب أن تقرر هل تريد رئيساً يكون من صنعها وعليها عندئذ النزول الى مجلس النواب كونه الممر الوحيد لانتخابه بارادة حرّة، أم انها تريده أن يكون من صنع الخارج بممراته المتعددة وتنتظر الوقت للاتفاق على صنعه، وهو وقت قد لا يكون يعمل لمصلحة استقرار لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً.