IMLebanon

زمن «حزب الله».. الرديء

إنه زمن «حزب الله» بامتياز ولكن الرديء هذه المرّة. زمن الخروج عن الشرعية اللبنانية والدولية وزمن التمرد على الدولة وعلاقاتها والتفرد بالقرارات وبمصير شعب بأكمله. نعم، إنه زمن «حزب الله»، زمن الانقلاب على المواثيق والأعراف والعيش المشترك وعلى لقمة عيش الناس في أشغالهم وحياتهم اليومية. نعم، إنه زمن «حزب الله»، زمن تفلّت الأمن والأمان وبث الخوف في نفوس المواطنين وتهديدهم بعودة الانقلابات وإشعال الشارع وأيّار ما زال الشاهد الأبرز على هذا الزمن السيئ السمعة والفعل.

كاد الشعب اللبناني أن يُصدق في فترة من زمن «حزب الله» المتقلب والمُنقلب، أن هذا الحزب يُريد الذهاب فعلاً نحو الديموقراطية وأنه سيترك خلفه كل ارتكاباته في الداخل والخارج، وأنه أصبح أقرب إلى التوبة أو مراجعة الذات، وأنه على طريق التندم من كل ما سبق من ذنوبه أو تقدم، لكن الحيلة لم تنطلِ على هذا الشعب الذي سرعان ما اكتشف أن الديموقراطية التي ينشدها، ما هي إلا ستارة تُعلن من خلفها مواقف لا تعكس نياته الفعليّة المُبيّتة والرامية إلى شل البلد وتعطيل استحقاقاته خدمة للمشروع الذي يحمله.

من الواضح أن «حزب الله» لم يعد يُقيم وزناً لعلاقات لبنان مع الدول الجارة وكأن ايران أصبحت بالنسبة اليه تمثل كل أولئك الجيران. هاجم الكويت وحاول زعزعة أمنها من خلال نقله الذخائر والأسلحة الى جماعاته فيها ليتهمها بعد افتضاح أمره بالكذب والافتراء. يُحاول على الدوام قلب النظام في البحرين من خلال التحريض المذهبي والطائفي، لكنه لا يجرؤ على اتخاذ موقف واحد من إيران التي ترتكب الممارسات العنصرية بحق أهل «الأحواز» وغيرهم من الأقليات. واليوم يقوم الحزب بأبشع أنواع ممارساته بحق السعودية وأهلها من خلال تلفيق الاتهامات لها لمجرد أنها قررت الوقوف ضد عصابات «الحوثيين« في اليمن ونظام بشار الأسد الذي يُمارس هوايات القتل وارتكاب المجازر بحق شعبه.

في مقارنة واقعية وبسيطة بين نوعيتين من الكلام تُبيّن الخيط الأبيض من الأسود، يظهر أن هناك مشروعين واضحين لكل منهما توجهه ومعناه المحدد. يوم أمس عاد الرئيس سعد الحريري ليؤكد للمرة الألف «أننا متمسكون بمشروع إنقاذ لبنان وسنبقى مدافعين عنه، رافعين الصوت عالياً ضد ممارسات حزب الله في الداخل والخارج معاً«، وهو «فاتح على حسابو» في كل الدول العربية. نحن نرى ما يحدث في العراق وسوريا وعلينا بذل كل الجهود الممكنة لإبعاد لبنان عن مخاطر ما يجري في هذين البلدين من حولنا. فكما استطعنا إخراج الجيش السوري من لبنان بدون ضربة كف، نحن قادرون بوحدة كلمتنا وصفنا على أن نواجه كل التحديات والمخاطر وإنقاذ لبنان وإعادة مشروع الدولة إلى السكة الصحيحة«. ومقابل هذا الكلام يظهر كلام آخر يقول: «أفتخر بأن أكون جندياً في ولاية الفقيه. ونحن مستعدون للتضحية بثلثي الطائفة حتى يعيش الثلث الآخر بكرامة».

عوض تقديم اعتذار والعودة عن غيه تجاه المملكة عما بدر منه بحقها طيلة الفترة الماضية، يهرب إلى الأمام، ولا يتراجع أو يراجع حساباته السياسية وانعكاسات تصريحاته المسمومة من يدّعي حرصه عليهم، راح يتهدد المملكة ويصفها بأبشع النعوت لدرجة وضعها في خانة العدو الإسرائيلي وهي التي لها في كل منزل لبناني بصمة بيضاء منذ بداية الحرب في لبنان الى زمن السلم. وآخر تهكمات الحزب وقادته ما صدر عن وزيره محمد فنيش الذي قال: «هل الاعتذار يخرج السعودية من مأزقها في اليمن؟ لا نعرف ما سبب الضغط السعودي على لبنان«. وكان سبقه تعليق لنجل الأمين العام جواد نصرالله يقول فيه:« أحسنوا الظن.. يمكن قصدهم سحب رعاياهم من فلسطين لكن آفة الحول والعمى المزمنة غلطوا بشكل فلسطين أصلاً ما بيعرفو وعملوا الحملة علبنان، علماً أن من يُراقب دعم إيران وحزب الله للشعب الفلسطيني، يُمكنه أن يعرف جيداً أن مصلحتهما كانت وما زالت تتقدم على أي أولوية فلسطينية وهذا ما كشفته جملة أحداث هناك ولم يكن آخرها اجتياح بلدة جنين التي تُركت يومها تواجه مصيرها وحيدة تحت أعين الإيرانيين و»حزب الله».

فتح «حزب الله» معركته مع الدول العربية اليوم، ليست إلا بهدف حرف أنظار جمهوره عن المأزق الذي يعيشه من جراء انغماسه في الحرب السورية والخسائر القاتلة التي يتكبدها بشكل يومي واستنزافه الى حد كبير، وهي تأتي في ظل صرخات بدأت تخرج من بيئته تطالبه بوضع حد لهذا النزف الذي لم يترك منزلاً إلا ودخله ولم يترك عائلة إلا واختار أحد أفرادها. كل هذه الأمور تحوّلت إلى نقمة غير مُعلنة داخل بيئة حملت راية المقاومة منذ تأسيسها لكنها اليوم لم تعد ترى في جزء غير قليل من تركيبة الحزب السياسية والأمنية، سوى مجموعات من رجال الأعمال الذين أصبحت لديهم مشاريعهم وتجاراتهم الخاصة البعيدة عن مقاومتهم أو حتّى عن «العقيدة« التي «يُستشهد» لأجلها أبناؤهم خارج حدود الوطن.