Site icon IMLebanon

تفجيرات زمن «الجوع الكافر»؟!

 

قد لا يكون حادث التفجير في جبل محسن هو الاخير، طالما بقيت مواده الاساسية ملتهبة بين سنة طرابلس وعلوية الجبل بالتحديد، وهذا عائد كما يقال ويشاع الى تلكؤ الدولة في مقاضاة المسؤولين عن تفجير المسجدين في طرابلس، اضافة الى ان من تحول من مواطن عادي يخاف ربه الى انسان يحمل عوامل الانتقام في نفسه، لانه لم يجد لدى الدولة من يفهم حاجاته ومتطلباته الحياتية بعد طول  هدر شلالات من الدماء في حرب المدينة وجوارها.

اللافت في المشكلة وقبل اشتعال حرب طرابلس وجبل محسن، ان المسؤولين هناك يعرفون الاسباب والظروف، من غير ان يتحرك فيهم عامل المسؤولية وقد ترددت اصوات في  عز حرب طرابلس وجبل محسن تنادي باعطاء المدينة ما تستحقه من مشاريع وخدمات تكفل تشغيل اليد العاملة، بما في ذلك ابعاد الجميع عن تقصد الارهاب وما اليه ليعتاشوا بشرف كما سواهم، من دون ان يترجم احد ما هو مرجو من خدمات لطرابلس، على رغم المسؤولية في الحكم من جانب ابنائها ممن لم يتوان عن الوعد بانه سيشتغل لما فيه مصلحة الشمال عموما وطرابلس خصوصا.

في الايام الاخيرة التي اعقبت احداث طرابلس وجبل محسن لاسيما التي سجل فيها هدوء ملحوظ، وفيما لم تعمل الدولة ما يرضي المواطن ولا يرضي ضميرها ولا يرضي الله اقدمت على ازالة الاكشاك  من الشوارع والساحات ليس لانها ترغب في تنظيم الامور، بل نكاية ببعض السياسيين ممن لديهم توجهات مغايرة لتلك التي تتقصد النافذين، اي ان الدولة بدلا من ان تؤمن لقمة العيش لهؤلاء وجدناها تلهث وراء  الانتقام ممن كان يبحث عن لقمة عيش شريفة. وهكذا اعد المسؤولون زناد بندقية الفقر وما اليها، وكأنها تدعو من لم ينسجم مع تدابيرها الجائرة الى اعلان الكفر بالدولة والانظمة والمؤسسات.

صحيح ان حادث التفجير في جبل محسن، مدان بمختلف اوجه التنديد والشجب والاستنكار، لكن احدا لم يسمع صوتا عاقلا يسأل عن فوائد ازالة الاكشاك ومطاردة الباعة المتجولين وما هي الغاية، على رغم معرفة الجميع ان الدولة بمثل هكذا تصرفات تدفع اصحاب الحاجة والفقراء والمساكين من سلوك طرقات «ترضي من يسلكها عن قصد، لان البدائل غير متوفرة ابدا!

مشكور الرئيس سعد الحريري الذي اعرب عن استعداده لاصلاح ما خربه التفجير المزدوج في جبل محسن، بما في ذلك تعويض خسائر المتضررين، لكن هذا وحده لا يكفي لانه  بمثابة «حبات مسكن» تقتصر مفاعيلها على العامل الانساني والشخصي، حيث لا بد من تدارك ما بعد ما حصل وقد  يحصل بحسب ما عودتنا التطورات في طرابلس وغيرها. ويخطئ من يعتقد او يتصور  ان «داعش» قد دخلت ومعها «النصرة» على خط الانتقام للسنة من العلويين، الا اذا  كان هناك من يسعى الى ابعاد الشبهات عن واجبات المسؤولين الملقاة على عاتقهم وجماعتهم من غير حاجة الى من يحدد ماهية هؤلاء!

كان يطلق على الفقر لقب «كافر» وهذا ما يجب استخدامه من الان والى الابد، طالما ان الذي لا يملك شيئا لا تعني له الحياة شيئا، فكيف اذا وصلت به الامور الى من يغطي له مصاريف عائلته في غيبته الطويلة عندما يضطر الى ان يستخدم حياته في حادث او عملية من مثل ما حصل في جبل محسن، من دون ان ننسى ان «شحنه بأمور روحية  مغلوطة لا بد وان يفعل فعله لانه لا يخسر شيئا  بالقدر الذي يمكن ان يربحه في نهاية المطاف والاخرة؟

وما يصح قوله تكرارا ان عملية جبل محسن تسأل عنها الدولة اجهزتها ومؤسساتها، اضافة الى ان تكرار حصولها غير مستبعد في ظل ما هو معروف عن «الفقر الكافر» في طول طرابلس وعرضها، من غير ان ننسى اصحاب الملايين الذين يستخدمون جزءا من ثرواتهم المنهوبة في مؤسسات انسانية تقتصر في النهاية على التقاط «صور الشحادة» على اوسع نقاط؟

هذا ما يجب قوله عن مجزرة جبل محسن، وهذا ما يجب التحسب له على مدار الساعة حيث لكل طرف قدراته على لعب ورقة الانتقام والتفجير، كما دلت الاحداث منذ وقت طويل وهذا ما يجب اعتباره «حال تحذير» من صعوبات امنية واجتماعية مرشحة الحصول كي لا نقول جاهزة للترجمة بدليل لا يحتاج الى من يتخوف من حصوله قياسا على ما مر من احداث دامية لم تأخذها الدولة في الاعتبار على رغم ما استهلكته من لحم ودماء الطرابلسيين المساكين ممن لا ينتظرون سوى قيام الدولة بالمطلوب منها بالحاح.