IMLebanon

سياسة ضيق الوقت ودرس المجلس الدستوري

 

 

السلطة في ورطة من صنع يدها. لا فقط لأنها متلبّسة بمخالفة الدستور بل أيضا لأن عليها مواجهة المحاذير المالية والاقتصادية التي تجاهلتها والبحث من جديد عن موارد لسلسلة الرتب والرواتب. وما أقلّ المراهنين على ان تتعلم الدرس، وأكثر المتخوفين من أن يقودها الارتباك الى الوقوع في ورطة أكبر، فالمجلس الدستوري قرّر بالاجماع إبطال القانون الرقم ٤٥ برمّته. ومن النادر، حتى في تاريخ التشريع الارتجالي، أن يحقق قانون واحد في ساحة النجمة رقما قياسيا في مخالفة الدستور: أربع مخالفات في الأساس وفي طريقة إقرار القانون. ولا جدوى من التفلسف السياسي على المجلس الدستوري وقراره. فالبلد في حاجة الى تصحيح المسار. وآخر من يدفع الثمن هو الساحر الذي انقلب السحر عليه.

ذلك ان سياسة ضيق الوقت صارت اللعبة الوحيدة في المدينة. السلطة تمارسها عبر تقطيع أطول وقت ممكن للوصول الى حافة الهاوية ثم اتخاذ قرار سيّئ بحجة ضيق الوقت. ونحن ندفع ثمن اللاقرار ثم ثمن القرار الذي يضمن المحاصصة أو القرار الآتي بالتشاطر والارتجال. أليس هذا ما حدث في سلسلة الرتب والرواتب حيث استمرت المماطلة سنوات قبل أن تدقّ ساعة الحشر وتبدأ الهرولة لاختراع ضرائب ورسوم تغطّي النفقات؟ ألم يستهلك المجلس النيابي ثماني سنوات في البحث عن قانون انتخاب قبل ان يجبره التمديد الثالث على ارتجال قانون في اللحظة الأخيرة تكثر المطالبة بتعديله حتى من الذين تحمّسوا له؟

لا أحد يجهل لماذا طارت الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان، واعترف الرئيس سعد الحريري أمام المجلس بأن تلك مخالفة دستورية وكلنا مسؤول، مع ان المسؤولية محصورة بالسلطة. وليس غريبا ان تتكاثر الشكوك في اجراء الانتخابات النيابية المتأخرة عن موعدها الدستوري خمس سنوات، برغم التطمينات التي يعلنها أركان السلطة يوميا. فالسؤال الحائر هو: هل كان التمديد للمجلس النيابي أحد عشر شهرا جزءا من التسوية السياسية التي أنهت الفراغ، وكانت البطاقة الممغنطة الوسيلة لتبرير التأجيل أم لا؟

مهما يكن الجواب، فان الواقع ناطق: موضوع تقني هو البطاقة الانتخابية الممغنطة التي بدا انجازها صعبا في الوقت المحدد يتحكّم بموضوع جوهري هو الانتخابات النيابية، أي أساس النظام الديمقراطي البرلماني. ولا يبدّل في الأمر اعتبار البطاقة من الاصلاحات في القانون. ولا شيء يمنع من ان يفرض ضيق الوقت الاكتفاء بالهوية العادية وإبقاء موعد الانتخابات في أيار.

ألسنا أسرى تركيبة سياسية يقودها السعي لتحقيق مصالحها مرة الى تعقيد البسيط، وأخرى الى تبسيط المعقّد؟