IMLebanon

زمن انقلابات الشعوب لا الجيوش

بعيداً عن النتائج السياسية المباشِرة التي انتهت إليها محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فإنّ ثمّة حصيلة بالغة الأهمية عن أسباب هذا الفشل يفترض التوقف أمامها باهتمام وقراءتها بدقّة لما تحمله من دلالات أصبحت أقرب إلى «الثوابت» في حياة المنطقة السياسية.

أبرز هذه الدلالات أفول زمن الانقلابات العسكرية، أي زمن قدرة الجيوش على القيام بهذا الدور بعد أن حلّت مكانها الشعوب التي أصبحت وحدها قادرة على «الانقلاب» ضدّ نظام معيّن. ففي الأنظمة الديكتاتورية (كالنظام السوري) لم يعد هناك فسحة أو مكان للانقلابات العسكرية منذ عقود فكم بالحري في الأنظمة الديموقراطية مثل تركيا حيث تُجرى انتخابات بصورة دورية، رئاسية ونيابية وحزبية وبلدية.

وكم بالأحري أكثر وأكثر في زمن أصبحت فيه الشعوب محور الحياة السياسية في الدول والحامية لفكرة الدولة وكذلك للحياة الديموقراطية، تماماً كما حصل في تركيا حيث كان لشعبها الدور الأكبر والأبرز في حماية هذه الديموقراطية، فيما بدت المحاولة الانقلابية بدون جمهور وقاصرة عن تأمين بيئة شعبية حاضنة.

وهذا يعني أنه في زمن الشعوب لا مكان للجيوش في التأثير في لعبة الحكم والسلطة، وتمكّن الشعب التركي من تكريس هذه الثابتة الجديدة في المنطقة، بعد أن نجحت شعوب أخرى في تكريس «ثابتة» ثانية عنوانها منع الميليشيات من القدرة على الانقلاب ضدّ أي نظام ديموقراطي.

ذلك أن إيران تمكّنت في العقود الثلاثة الماضية من إدخال «مكوِّن» جديد إلى الحياة السياسية العربية، هو الميليشيات، حيث زرعت مجموعة منها في عدد من الدول العربية مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحاولت بواسطتها تنفيذ انقلابات عسكرية ضدّ أنظمة هذه الدول أو شعوبها.

ففي لبنان مثلاً نفّذت إيران في العام 2008، بواسطة «حزب الله»، محاولة انقلاب عسكري ضدّ الحكومة اللبنانية باءت بالفشل وإن بقي الحزب متحّكماً بمفاصل النظام ومؤسّساته من خلال تعطيل عمل الحكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية. ثم نفّذت انقلاباً سياسياً في 2011 من خلال إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفشل هذا الانقلاب أيضاً بفضل المقاومة الشعبية السياسية.

وفي اليمن نفّذت ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران محاولة انقلاب سياسي ومن ثم عسكري ضدّ النظام وفشلا أيضاً بفعل المقاومة الشعبية السياسية والعسكرية المدعومة من المملكة العربية السعودية و»عاصفة الحزم».

كما حاولت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق الانقلاب على النظام ومؤسّساته مراراً وتكراراً، ولم تنجح حتى الآن رغم تمكّنها من الهيمنة على أبرز مفاصل الدولة وتقديم نفسها «بديلاً» عن الجيش العراقي النظامي بذريعة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي.

أمّا في سوريا فتحاول الميليشيات المدعومة من إيران والنظام «الانقلاب» على الثورة الشعبية وربيعها العربي بذريعة محاربة الإرهاب أيضاً، ورغم عدم قدرتها على الحسم العسكري أو السياسي، نجحت في تقويض دعائم الدولة السورية والنظام أيضاً، بدليل أنها أصبحت الآمر الناهي في المسارَين العسكري والسياسي.

ومعنى ذلك أن الإنتاج الإيراني الجديد المسمّى «ميليشيات» لم ينجح هو الآخر في الانقلاب على أنظمة المنطقة وشعوبها، وإن تمكّن من إبطاء مسيرة الربيع أو مسار الديموقراطية الذي يحتاج فوزه إلى وقت وتضحيات ما زال يقدّمها اللبنانيون والسوريون والعراقيون واليمنيون حتى اليوم.