IMLebanon

قطعة زمن

هذا يوم من أوائل أيام قطعة زمن جديدة، لها أرقامها التي تدل على هويتها بحسب تقويم بشري مبارك دينياً. فقد أنزلت الديانات الحديثة نوعاً في شرقنا وفي الشرق الأقصى ما ساعد إنسان الكوكب على وضع حدود لشطحات زمن تدخلت الحضارات القديمة ثم الأديان ضابطة فلتان الوقت، وما استطاعت ضبط فلتان عداء بشري متبادل يطل مدمراً على مر الأزمنة التي اختبرها الإنسان “وثنياً” ثم مؤمنا بإله واحد على الطريقة الوثنية.

وفي ما يخصنا نحن أهل لبنان شاهدنا للمرة الألف كيف يتبادل زعماؤنا بلهفة عجيبة مراسم التهنئة بالأعياد الدينية وغير الدينية التي لا تنقطع. فقد صاروا من اهل البيت لكثرة ما يشاركوننا في سهراتنا، نحن في غرف جلوسنا وهم على شاشات تلفزتنا يتناحرون ويشاركهم أهل إعلام يبادلونهم تنافسهم وخيباتهم، والمستفيد الأكبر من هذا التواصل المستمر صيدليات لبنان والأطباء الذين صاروا كأهل السياسة تماماً، لا يمكنك ائتمانهم على خصوصيات حياتك.

وفي نظرة الى سنة مضت نتأكد انها ما اختلفت عمّا سبقها باستثناء تمدد كابوس داعشي زاد الشرخ الذي يفرق الزعماء وأتباعهم في لبنان العظيم، وفي عالم عربي أكثر عظمة وتألقاً من لبنان. ولمّا أنت مراقب، خارج اللعبة الجهنمية التي تفتك بالإنسان وبالأوطان، لا تتعاطف لا مع هذا ولا مع ذاك، تستنكر بشدة استمرار نبش أحداث الماضي القريب والبعيد: نبش الشهادة والاستشهاد، حتى غدت نشرات أخبارنا وبرامج كلامنا سلسلة ذكريات واتهامات ودموع تماسيح سمجة تساعد على هدم ما تبقى من مجتمع مفكك، مهترئ، قضى عليه أهل سياسة ودين وبعض شعب تغذيهم غريزة دمار نامية بلا رادع.

وتتساءل أليس هناك من يعمل في صمت لإعادة بناء وطن تفكك واستراح، أم ان الزمن ليس زمن صحوة؟ فأهل السياسة وتوابعها الجالسين في الصفوف الأمامية في احتفالات التذكر، لن يبثّوا حياة جديدة في جسد وطن منفصم، مخدّر، ولا في شرايين شعب لن يعيش على ذكرى الشهادة والاستشهاد بعد، وما الاستشهاد إلا عنوان لعمليات غدر واغتيال نابعة من نفوس مريضة جعلت الأوطان والشعوب ضحايا مواسم انتقام ودمار لا تنتهي.

في بدء سنة جديدة: لبنان الوطن يريد جديداً. لا يهم رئيس جمهورية غائب عن التركيبة المهترئة، فالحاجة الأساسية تتلخص في كامل طاقم جديد منفتح الوعي، لا علاقة له إطلاقاً بما مضى، لا بنظام ولا بأهل ارتكاب. طاقم يضع برنامجاً جديداً لدولة مدنية، ولدينا من الشباب المثقف الواعي غير المنتمي الى النهج السياسي القديم، ما يكفي لإرساء نظام سليم، الدين فيه مفصول عن الدولة، كما للمرأة مكان استحقته من زمان وحجب عنها. نريد جديداً، فالقديم نخره السوس وتناثر الى غبار.