يدور في أروقة بكركي حديث مفاده أن المقابلة ما بين لبنان قبل العام 75 ولبنان 1990، تظهر فرقاً شاسعاً إن على مستوى الأداء الدستوري ـ السياسي أو المالي ـ الإقتصادي. ففي عهد المارونية السياسية كانت العجلة الدستورية لا تتوقّف ولا يشوبها جمود وخروج عن الأصول وأحكام الدستور، بحسب اوساط مقربة من بكركي، بينما بعد نشوء دولة الطائف، عاش لبنان حالات دستورية إستثنائية على مقياس الزعماء السياسيين، ومعظم الأحيان بطريقة مخالفة للأصول والأحكام الدستورية.
وفي عهد المارونية السياسية، كان الدستور لا يتعدّل ولا يُشوّه ولا يُطبّق على المقاييس المحلية والظروف، بينما دولة الطائف جعلت من الدستور اللبناني نصاً مطّاطياً يلتئم مع كل الأجسام، ويتزاوج مع كل الظروف.
لبنان في عهد المارونية السياسية، كان قبلة إقتصادية ومالية وسياحية حتى شُبّه بـ«سويسرا الشرق»، وقد أعطيت قروض دولية بالعملة الصعبة اللبنانية يومها. بينما دولة الطائف أغرقت لبنان بدين عام فاق الـ60 مليار دولار.
ولبنان أيضاً في عهد الماورنية السياسية نجح في إنشاء تعدّدية سياسية ضمن كل طائفة، تضيف الاوساط، بشكل لا يؤدي إلى أي أزمة دستورية أو خلاف يعطّل الآليات الضرورية لحسن سير الدولة. بينما دولة الطائف أنشأت آحادية طوائفية، أدّت إلى تعطيل شامل للدولة ومؤسّساتها، فكان إذا استحكم الخلاف إبان عهد المارونية السياسية الخلاف مع أحد الأقطاب في الطائفة السنّية، كان التوجّه إلى أقطاب أخرى في إطار تعدّدية صحية، مثلاً إذا استحكم الخلاف مع الرئيس المرحوم رشيد كرامي، كان التوجّه إلى الرئيس صائب سلام أو إلى الرئيس تقي الدين الصلح أو إلى الرئيس سليم الحص. وكذلك في الطائفة الشيعية كانت التعدّدية السياسية حافظة للتوازن ما بين الرئيس كامل الأسعد والرئيس صبري حمادة والرئيس حسين الحسيني. وفي الطائفة المارونية كانت التعدّدية مكرّسة بالرئيس كميل شمعون والعميد ريمون إده والشيخ بيار الجميّل. إذ كان حسن تطبيق الدستور أسمى وأفعل من كل المصالح الزعائمية، بينما دولة الطائف كرّست مصالح الزعامات وتفوّقها على أحكام الدستور والمصلحة العامة.
وتعتبر ألاوساط نفسها، أن تفاقم الوضع الدستوري والشلل الكامل للدولة، لا يؤدي ولا بأي شكل من الأشكال إلى استعادة الحقوق المهدورة، لأنه يؤثّر على مستوى الحياة العامة للمواطن اللبناني، وتحديداً المسيحي. مشيرة إلى أن تردّي الوضع الإقتصادي العام يؤدي لا محالة إلى هجرة مسيحية شبابية كثيفة، تساهم في التأثير ديموغرافياً بشكل سلبي على التوازن العام في البلد، وتقضي على إمكانية تحصيل هذه الحقوق لاحقاً ومستقبلاً. متسائلة عما إذا كان شعار حقوق المسيحيين هو عنوان فارغ المضمون، لا سيما وأن من يطرحونه هم اليوم في سدّة المسؤولية في الحكومة، وقادرون على التأثير في التعيينات وتوزيع الأموال والخدمات، خصوصاً وأن لبنان كان في عهد المارونية السياسية ذو مالية عامة خاضعة للموازنة ولرقابة مجلس النواب مجتمعاً، في حين أن لبنان الطائف تميّز بالصناديق الخارجية عن الموازنة، وبالتالي الخارجة عن رقابة مجلس النواب.
وأردفت الاوساط بالقول، أن التاريخ سيسجّل أن عهد المارونية السياسية على علاته، كان أفضل من دولة الطائف غير القادرة على إزالة النفايات من الشارع، إذ جعلت من لبنان في آخر التصنيفات العالمية إقتصادياً ومالياً وبيئياً وإدارياً، هذا بالإضافة إلى أن لبنان تصدّر المراتب الأولى في تصنيف الدول الأكثر فساداً.
وختمت الأوساط عينها، فليحكم التاريخ على لبنان في عهد المارونية السياسية ولبنان في عهد دولة الطائف.