Site icon IMLebanon

حان وقت الكلام… والعمل!

 

منذ قررتُ خوض المعترك الانتخابي آليت على نفسي عدم الخوض في السجالات العقيمة, ولا المبارزة في المهاترات المهينة, ولا حتى الرد على الدسائس والافتراءات المشينة.

كنت على يقين بأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض, وبأن الكلام بما يُخفّف التوتر والاحتقان هو الذي يساعد على تخفيف الوجع البيروتي, ويحافظ على الأجواء الديموقراطية الحضارية والهادئة للمنافسة الانتخابية, ويشجع الناخبين على التعامل بإيجابية مع هذا الاستحقاق الانتخابي.

كان الهدف دائماً العمل على إخراج أهلنا في بيروت من أجواء الإحباط والتشاؤم والتهميش المهيمنة على الشارع البيروتي, وكان الكلام دائماً يُركّز على طرح الحلول المعقولة والممكنة للأزمات المعيشية والخدماتية والاجتماعية المتفاقمة في العاصمة, والتأكيد بأن الحلول ليست صعبة ولا مستحيلة, عندما تتوفر الإرادة وتتوضح الخيارات.

لم تنفع حملات التشكيك والتخوين في إزاحتنا عن الثوابت الوطنية والإسلامية, ولا عن الأخلاق البيروتية الأصيلة, لا سيما في احترام الرأي الآخر, والاعتراف بوجود الآخر, والإيمان الراسخ بأن بيروت قادرة على احتضان هذا التنوع الغنيّ في النسيج الاجتماعي اللبناني, والتفاعل مع ألوانه بأبهى القيم الوطنية.

ثمة تساؤلات كانت تلاحقني في معظم اللقاءات الانتخابية والمقابلات التلفزيونية, وكلها تدور حول مآل العلاقة مع بيت الوسط , وأسباب الخلاف مع الرئيس سعد الحريري, وخلفيات الابتعاد عن الحريرية السياسية, وكنت أنت دائماً من أشدّ المدافعين عنها, منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وكانت أجوبتي تؤكد تمسكي بثوابت الرئيس الشهيد, وحرصي الدائم على القيام بكل ما يُعزز استمرار تلك التجربة الغنية, وترشحي لا يعني الابتعاد عن الحريرية السياسية, بقدر ما يُعبّر عن «حالة اعتراضية» لما وصلت اليه الأمور في الشارع البيروتي, بعد تفاقم مشاعر الإحباط والتهميش, بسبب الخلل الحاصل في المعادلة الداخلية, وخاصة في دائرة اتخاذ القرار على مستوى الدولة.

ليس صحيحاً القول أن لائحة «بيروت الوطن» كانت في موقع التنافس المباشر مع لائحة تيار المستقبل, لأن دائرة بيروت الثانية شهدت معركة انتخابية بين تسع لوائح, وليس بين لائحتين أو ثلاث فقط , ولم يكن ثمة وهمٌ لدى أحد منّا بأنه يُزاحم الرئيس سعد الحريري على الزعامة, أو على رئاسة الحكومة, بل العكس تماماً, حيث تم التأكيد دائماً بأن رئيس تيار المستقبل ما زال هو المرشح الأوّل لرئاسة الحكومة, لأنه الأقوى في طائفته, كما هو حاصل في الرئاستين الأولى والثانية.

ولم نكن لحظة من المراهنين بأن الانتخابات الجارية بموجب أحكام هذا القانون الهجين, والمحشو بالألغام الطائفية والمذهبية والمناطقية, ستؤدي إلى تغيير جذري في البنية السياسية, وتقلب الطاولة على رؤوس الطبقة السياسية الفاسدة, وتعلن ولادة دولة العدالة والقانون, القادرة على إنقاذ العباد والبلاد من شرور الفساد والعجز والشلل التي أوصلت البلد إلى شفير الإفلاس.

* * * *

لقد حرصت أن تكون «اللواء» بمنأى عن رياح المعركة الانتخابية, وبقيت صفحاتها مفتوحة لكل الأفرقاء السياسيين, بمن فيهم «الخصوم الانتخابيين», رغم كل ما كانوا يمطروننا به من تهم باطلة, وحملات محمومة, الأمر الذي كان موضع تقدير الكثير من الأصدقاء, في حين أثار حيرة البعض الذي كان يتوقع خلاف ذلك.

الواقع أن هذا الموقف الصعب والدقيق لم يأتِ من فراغ, بل هو نتيجة قناعة راسخة بأن «اللواء» ليست مجرد مؤسسة عائلية, يمكن إخضاعها لحسابات فردية، أو لمزاج شخصي, بقدر ما هي مؤسسة مهنية تحترم عقل وإرادة القرّاء والأصدقاء, وتلتزم بثوابت استراتيجية, وطنية وإسلامية, أثبتت التجارب والأيام الصعبة أنها لا تحيد عنها, ولا تساوم عليها, وستستمر مسيرة «اللواء» في حمل هموم بيروت وأهلها، كما كانت منذ خمسين عاماً، مهما اشتدت الصعاب وارتفع سقف التحديات.

يُضاف إلى كل ذلك, أننا لسنا من الذين يُبدّلون خياراتهم, ويتخلون عن مبادئهم, كما يفعل آخرون بلمح البصر, سعياً لمنفعة, أو بحثاً عن مصلحة, لذلك لم نغادر لحظة مواقعنا في العمل لجمع الشمل وتقريب وجهات النظر وتوحيد الصف والكلمة, كما لم نغيّر مواقفنا في اعتماد الاعتدال والحوار سبيلاً لمعالجة الخلافات, والبحث عن الحلول المناسبة لها.

والمسألة مع الرئيس سعد الحريري ليست شخصية, فهو دائماً موضع تقدير واحترام, ولكن كنا من موقع الحرص على مكانة الطائفة في هذا النظام الطائفي البغيض, وعلى الدور الدستوري والوطني لرئاسة الحكومة, نرى أن الاستمرار في طرح المبادرات, وما تقتضيه من تقديم تنازلات, لا تلاقيها الأطراف السياسية الأخرى في منتصف الطريق, كان ينعكس سلباً على رئيس الحكومة وجمهوره, ويُباعد في الهوّة التي كانت تكبر يوماً بعد يوم بين الطرفين, والتي ظهرت نتائجها في الانتخابات, خاصة عبر تدني نسبة الاقتراع في بيروت.

كنا وما زلنا نعتقد أن إنقاذ البلد ليس مهمة زعيم وحده, ولا تيار سياسي واحد, ولا طائفة معينة, بل هي مسؤولية وطنية من الدرجة الأولى وبامتياز, تتحمّل أوزارها ومتطلباتها الأطراف السياسية, بكل ألوانها الحزبية والطائفية, وتساهم جميعها في تقديم التسهيلات والتنازلات, حتى تلتقي جميعاً على نقطة وسطية, يتشارك الجميع في صياغة منهجها.

لقد أعلن الرئيس الحريري, في لقاءاته الانتخابية المتنقلة في بيروت والمناطق «بأننا غلّطنا وبدنا نعمل على تصحيح الغلط , وإعطاء الأولوية لتلبية حاجات النّاس، وسعد الحريري 2018 هو غير ما كان قبل». ولعل ما يجري حالياً من تغييرات في تيار المستقبل هي بداية «التصحيح», وصولاً إلى حركة تصحيحية متكاملة.

لقد حان وقت الكلام… لأنه حان وقت العمل الجدي لإخراج أهلنا في بيروت من حالة الإحباط والانكفاء, وتلبية حاجاتهم الاجتماعية والوظيفية المشروعة, وتأمين المشاريع الإنمائية والخدماتية التي تستحقها سيدة العواصم بيروت.

نحن أمام مسار شاق وطويل, ولكنه ليس بالمستحيل!