بعد جهدٍ جهيدٍ فريد، نجح سمير جعجع وميشال عون في طيّ صفحة الماضي البغيض، ولو كان قد احتوى ومضات قليلات مضيئات بين الحكيم والجنرال وبين القوات والتيار وبين المتأثرين والمؤثّرين من حولهما.
منذ أكثر من ألفي سنة، بنى الصينيون سوراً عظيماً سيّج حدودهم من الأعداء، لكنه ـ على عظمته ـ لم يمنع اجتياح الصين لمرّات عدة، أبرزها ثلاث، وفي وقت قياسيّ قصير، وكان السبب اختراقات الحرّاس الذين لا قضية لهم ولا قناعة، وبالطبع لا إيمان.
فكان حرّاس السور العظيم يسقطون بالرشوة أو بالخوف، أو بالرشوة والخوف معاً. بنى الصينيون السور، لكنهم نسوا أن يبنوا الحارس! أما نحن وكل من عاش أو عرف أو عايش الألم والموت والهجرة والذلّ ورحيق المقاومة من أيّ موقع وفي أيّ موقع أو أسلوب اختاره لنفسه أو اختاره مع أترابه ورفاقه، فما علينا اليوم إلا أن نبني الحارس معاً، لنربح الدار فنمنع ونربح الجار.
نحن تصالحنا مع ذاتنا عند مصالحة القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، ولا عيب أن نكون مختلفين وفي محطات سياسية متعددة، لكن العار أن يحوّلنا الاختلاف ــ أي اختلاف ــ من مؤمنين بالحرية التي من أجلها نحن في هذا المشرق، إلى متضادين (بفتح الدال) لا يلتقيان أو خطين متوازيين يحتاجان دوماً إلى ثالثٍ ليجمع بينهما.
نحن تصالحنا مع الماضي، لأن رؤيانا أضحت أمام مولودتنا الجديدة «وثيقة نيات»، كما رؤية هؤلاء البرلينيين الألمان أمام جدار العار الذي فصل بينهم، إلى أن أسقطوه بأيديهم.
نحن ربحنا الوصول، يبقى أن نسهم جميعاً مسيحيين ومسلمين، وكلٌّ على همّته وبقدر إيمانه بلبنان وقضية لبنان، ليستقرّ الوصول فنربح البقاء.
نحن تصالحنا لخدمة «اليوم التالي»، لأن قلب العالم العربي من سوريا إلى العراق إلى الجزيرة ينادينا لنبني معاً هذا اليوم، بل لنحيي نهضةً بدأناها منذ قرن ونيّف، وهي تنتظر بخفر أن تعود إلى حضنها المشرقي بعد سكون العاصفة وجلاء الليل الأسود الذي سيحمل معه حتماً وحكماً إسلاماً جديداً ويوماً جديداً.
إن لبنان المحصّن بـ»المسيحية القوية»، هو لبنان على حصان الأخوّة الحضارية التعددية والخلاّقة الإسلامية والمسيحية. هذا اللبنان، هو الولّادة الطبيعية والوحيدة للعصر العربي الجديد الآتي، وللإنسان الجديد الأكيد مسلماً كان أو مسيحياً أو غير ذلك.
وأختم، إن غرفتنا في هذا البيت اللبناني والمشرقي تحتاج إلى ترتيب، ووثيقة إعلان النيات هي المدخل الطبيعي إلى ترتيبها، ومتى انتهينا، استطعنا نحن ساكنيها أن نُسهم بفعالية أقوى وأنقى في ترتيب البيت اللبناني فالبيت المشرقي. هذه هي رسالتنا، بل هذه هي مهمتنا التي لأجلها ولدنا ومن أجلها أتينا مسيحيين في هذه البقعة من العالم، هذه هي الحكمة في وثيقة النيات، ومنها عمق فلسفتها بالذات.
مع شكري لإدارة الصحيفة على رغبتها مشاركتي «سلام المسيحيين» في هذه السطور، أجزم بأني لستُ لأسرف في الوجدان السياسي، لكن في السياسة والواقعية السياسية ما في الوجدان.
* رئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية