في الحديث على الاصلاح ومحاربة الفساد لا بد من الاشارة الى أهمية التعاطي العقلاني مع الضرائب بكل تفرعاتها للاقتراب من العدالة الاجتماعية بأكبر قدر ممكن، والابتعاد عن أساليب استسهال الضرائب غير العادلة بذريعة انها مضمونة التحصيل، لأنها تعكس فيما تعكس الاعتراف بالفشل في محاربة الفساد.
في الجلسة الأخيرة الوداعية التي عقدتها قبيل إنتخاب رئيس الجمهورية، وانهاء الفراغ الرئاسي، أصدرت حكومة «المصلحة الوطنية»، قرارا صار نافذا بدءا من 31 تشرين الاول الماضي، وهو يقضي بتأجيل البدء في تحصيل الضريبة التي كانت قد دخلت حيز التنفيذ فعلياً، في كانون الثاني 2016، وكان يُفترض أن يبدأ تسديدها في ايلول 2016، لكن أحدا لم يبادر الى دفع هذه الضريبة لأن الجميع كانوا يتوقعون صدور التأجيل الذي صدر متأخرا مع مفعول رجعي. وقد تمّ التأجيل وفق القرار الحكومي حتى الاول من كانون الثاني 2018.
الضريبة الجديدة التي تمّ تأجيل قرار تنفيذها تشمل كل المؤسسات القائمة في السجلات التجارية على مساحة الجمهورية اللبنانية، وهي تشبه الضرائب غير المباشرة، بحيث انها مفروضة على الشركات بصرف النظر عن نتائجها المالية، سواء ربحت أو خسرت. وهي تتراوح بين 50 الف ليرة سنويا كحد أدنى، ومليوني ليرة كحد أقصى.
ماذا تعني هذه الضريبة، وهل أن تأجيل تطبيقها المستمر منذ حوالي 15 سنة، هو عمل اصلاحي ام العكس صحيح؟
في الواقع لا يمكن الحكم على عدالة اي ضريبة سوى من خلال الوقائع المحيطة بها، والمناخ العام السائد. في الحالة الراهنة، وكما هي الامور في البلد، يمكن القول ان تنفيذ هذه الضريبة فيه الكثير من اللاعدالة والظلم. والأهم ان فرض هذه الضريبة يعكس نوعا من الاعتراف بالفشل في تحصيل الضرائب بصورة عادلة، فيتم اللجوء الى هذا النوع من الضرائب الشبيه بضريبة البنزين.
الأمر الشائن في هذه الضريبة، انها تعني ببساطة ان القسم الاكبر من الشركات التي تتبع سياسة الدفترين، والتي لا تدفع ضرائبها على الارباح بشفافية، بعضها يعترف بنسبة ضئيلة من الارباح وبعضها الاخر يدّعي تسجيل خسائر للتهرّب من دفع الضرائب، سوف تُكافأ على مجهودها الاحتيالي، بفرض هذه الضريبة الجديدة والتي تعتبر ضئيلة، ولا تعكس حقيقة المبالغ التي يفترض ان تدفعها هذه الشركات على ارباحها.
في المقابل، فان الشركات والمؤسسات، وهي ليست كثيرة، التي تدفع ضرائبها بشفافية ومن دون تلاعب، كما هي حال المصارف على سبيل المثال، سوف تُعاقب على هذا الالتزام من خلال فرض ضريبة اضافية عليها. واللافت في الموضوع، ان المصارف التي تعتمد في عملها سياسة الانتشار من خلال الفروع، سوف تضطر الى دفع هذه الضريبةعن كل فرع على حدة.
يتبيّن من سجلات المالية، ان مداخيل الدولة تعتمد بصورة رئيسية على مداخيل الضرائب التي يتم تحصيلها تلقائيا، ومن دون ان يتمكن الفساد من التأثير فيها، ومنها الضريبة على القيمة المضافة، (TVA) وضريبة البنزين، وربما يمكن ايراد «ضريبة» الاتصالات في الخانة نفسها، على اعتبار ان تسعيرة الاتصالات في لبنان، ورغم خفضها نسبياً، لا تزال مرتفعة اكثر من المعدلات المعترف بها عالمياً، وهي تشكّل مصدر دخل أساسيا للخزينة، وباتت تشبه مفهوم الضريبة أكثر من مفهوم الرسوم على الخدمات.
هل يعني هذا الكلام ان الضريبة التي جرى تأجيل تنفيذها حتى الاول من كانون الثاني 2018 هي ضريبة سيئة وينبغي التخلّي عنها؟
الجواب ان هذه الضريبة تصبح عادلة ومنطقية ومطلوبة لتغذية ايرادات الدولة، في حالة واحدة : اذا تأمّن الاصلاح الموعود، وتمّ خفض منسوب الفساد الى مستويات مقبولة، بحيث ان سياسة الدفترين بهدف التهرّب الضريبي تتراجع الى الحد الأدنى، وتصبح الضرائب الشاملة مقبولة، مع الأخذ في الاعتبار ان فرض ضرائب على شركات خاسرة فعلياً، لا يخدم فكرة تحفيز الاستثمارات وتنمية الاقتصاد الوطني.
لكن الاصلاح لن يتأمّن من دون تغيير بعض القوانين المتعلقة بمعاقبة التهرّب الضريبي، على غرار ما هو مُعتمد في دول مثل الولايات المتحدة او معظم دول الاتحاد الاوروبي.
أمام الحكومة المنتظرة، حوالي السنة لتغيير مفهوم تحصيل الضرائب، واتخاذ خطوات تضمن مكافحة التهرّب الضريبي. اذا تحقق هذا الأمر يمكن التفكير في تنفيذ الضريبة الجديدة، وفي حال الفشل، ينبغي الغاء هذه الضريبة، لأن البلد لا يحتاج الى زيادة منسوب اللاعدالة الاجتماعية، وما فيه من ظلم في فرض الضرئب يكفيه.