الخمسة الذين سقطوا في الجولان قيمتهم وأهميّتهم ليست فقط في أسمائهم، وإنما في الموقع الذي سقطوا فيه. الجولان الساكن منذ احتله الإسرائيليون في حرب 1967، تحرك كاشفاً خفايا تثير أسئلة لا إجابات عنها في الوقت الحالي. من الضروري التعامل بدم بارد رغم ما تثيره دماء الخمسة من انفعالات قاسية.
الموت من أجل فلسطين، يبقى وحده الشرعي والثوري، والباقي حمّال لكل التحاليل والدفاع والهجوم. من هذه الأسئلة وبدون أولويات:
من الطبيعي جداً أن تكون ردة الفعل الرسمية والشعبية الأولى للعملية القاسية في مجراها وفي نتائجها العسكرية والسياسية أن يكون ما قبل عملية الجولان مختلفاً عمّا بعدها. لذلك فإن السؤال الأول كيف سيردّ حزب الله، خصوصاً وأن السيّد حسن نصراالله قبل أيام وعد بالرد على أي عملية إسرائيلية داخل سوريا سيكون الرد عليها صاعقاً. لذلك أيضاً نام اللبنانيون خائفين من اشتعال حرب أكبر وأوسع من العام 2006 لأنه لا أحد يمكنه ضبط انهيارات الرد العسكري لحزب الله إذ لا يوجد في مثل هذه الحالة عملية تكون «أكبر من رد وأقل من حرب«. الإثبات الكبير أن السيّد نصرالله لم يكن يتوقع الرد الإسرائيلي على عملية الأسرى 2006 بالحرب، وكانت الحرب.
الرد على مثل عملية الجولان، يتطلب الوقت، وحسابات على مستوى بناء الاستراتيجيات لأن الهدف ليس «حزب الله» فقط وإنما «الإيرانيين» الذين سقط منهم أكثر من «عميد« في «الحرس الثوري». فالعميد في الجيوش مهما كان استشهادياً لا يتنقل وحده في أرض مواجهة مثل الجولان.
مهما بلغت قدرة المتابعة الجوية والإلكترونية الإسرائيلية، فإن سؤالاً كبيراً يفرض نفسه بعد هذه الضربة العسكرية الكارثية حول حجم الخرق الأمني داخل «حزب الله». يوماً بعد يوم يتأكد أن الحزب بعد الـ2006 قد ترهل ولذلك نجحت إسرائيل في اختراقه. والسؤال ماذا بعد «شوربا». هل انتهى الاختراق بالقبض عليه أم انه ليس الأول والمؤكد أنه ليس الأخير.
اللبنانيون خائفون أيضاً، لأنهم متأكدون أن الدولة اللبنانية لا تملك قرار الحرب والسلام، وأن حتى السيّد نصرالله ليس صاحب القرار الأول في ذلك. الولي الفقيه السيّد علي خامنئي والجنرال قاسم سليماني يملكان القرار والتخطيط، والسيّد التنفيذ مع تعديلات ميدانية نابعة من معرفته بأرض المعركة. ولذلك فإن اللبنانيين يجدون أنفسهم أمام حائط مسدود لأن مصيرهم معلّق على حسابات إقليمية ودولية تتجاوزهم بكثير. إيران التي تفاوض في فيينا وعمان وباريس لديها حسابات مختلفة اختلافاً كبيراً بكل ما يتعلق بالأمن القومي للبنان. والسؤال: الى متى تستمر هذه الحالة؟
من الضروري عدم الخلط بين عملية الجولان والحالة السورية الداخلية، إلا إذا كان الهدف متابعة التعامل مع اللبنانيين وخصوصاً جمهور «الحزب» بأنهم «سذّج«. إسرائيل لم تضرب وحدة الحزب المقاتلة ومعها الوحدة الايرانية الرفيعة المستوى، لأنها تهدف الى تقوية المعارضة السورية المسلحة و»النصرة» و»داعش». لقد ضربت إسرائيل «خليّة» لا علاقة لها بالحرب في سوريا. هذه «الخلية» لها علاقة بفلسطين والاحتلال الإسرائيلي. الجميع يعرف أن إسرائيل استهدفت كل «مجاهد» يعمل ضمن «قطاع فلسطين في المقاومة» ومنهم «أبو حسن سلامة« الذي صدف أن عديله بين القتلى الخمسة، لذلك سوريا والوضع فيها لم يكونا ضمن الحسابات الإسرائيلية في تنفيذ العملية.
إسرائيل تريد وضع قواعد جديدة وثابتة لقواعد الاشتباك مع حزب الله. في لبنان القرار 1701 تكفل بذلك، فماذا عن الجولان المفتوح على كل الاحتمالات، خصوصاً وان إيران دخلت على الخط وأصبحت مطلقة اليدين في النشاط الميداني العسكري والاستخباراتي، وكأنه يجري التحضير لتكون سوريا وتحديداً الجولان بديلاً عن جنوب لبنان؟!.
لا شك أن بنيامين نتنياهو قد أجاد توقيت العملية لمصلحته، فهو سيضخ نجاحها في رفع منسوب شعبيته الهابط، وهو على أبواب الانتخابات. وفي الوقت نفسه سيعمل على وضع خط أحمر أمام الخرق السياسي الفلسطيني على الصعيد الدولي، خصوصاً على الصعيد الأميركي مع استثمار هذا النجاح شعبياً داخل إسرائيل.
يبقى أن السيّد حسن نصرالله، لا يستطيع في التحضير لأي رد إسرائيلي إلا أن يضبط «ساعته« على الساعة الإيرانية الغارقة في المفاوضات النووية. لذلك الرد سيتأخر وربما إذا وقع الاتفاق الأميركي الإيراني يصبح كل ما قبله مختلفاً عما بعده.