تيمور جنبلاط ليس وليد جنبلاط، لكنّ الطائفة الدرزية تحتاج تقمّصاً للدور الذي لعبه «زعيمُ المختارة» منذ وُضِعت على كتفيه العباءة الملطّخة بالدم. يتحضّر تيمور لتدشين ولاية نيابية تبدو مفتوحةً على «ولايات» لا منافسَ له عليها، ولقيادة طائفة لخّصها في الطلّة الإعلامية الوحيدة له قبل أسبوع من الانتخابات النيابية بـ «خدمة الناس».
بـ 13711 صوتاً تفضيلياً ومجموع أصوات لـ «لائحة المصالحة» بلغ 98957 مقارنة بـ «لائحة ضمانة الجبل» (تحالف «التيار الوطني الحر» وطلال إرسلان) التي حصدت 39027 صوتاً، حجز تيمور جنبلاط مقعدَه النيابي عن دائرة الشوف-عاليه. وخلافاً للتوقّعات حلّ رابعاً في ترتيب اللائحة وثانياً في ترتيب المرشحين الدروز إذ سبقه أكرم شهيب بـ 13804 أصوات.
لا يتوقع أحدٌ أن يكون تيمور جنبلاط نسخةً تقليديّة «Deja vu» في العمل النيابي والسياسي، أو حتى أن يشبه والدَه. الشغوفُ بعالم الموسيقى والتاريخ، موسوعة الأفلام، المثابر على ممارسة الرياضة في نادٍ خاص، غالباً ما كان يُشاهد في بعض مقاهي بيروت الفخمة يقرأ كتاباً، أو يضع سمّاعات على أذنيه مستمعاً الى الأغاني وشارداً كأنه منفصل عن العالم.
لا شيءَ يوحي أنه قد يغيّر عادته لكنّ مساحة «الخاص» تقلّصت كثيراً لصالح «العام». وليس أيُّ عام! هو قدر ومصير طائفة بأكملها بدأ بتحمّل وزرَ مسؤوليّتها حين ألقى وليد جنبلاط «كوفية الزعامة» على كتفيه في آذار العام الماضي خلال مهرجان شعبي في المختارة لمناسبة الذكرى الـ40 لاستشهاد كمال جنبلاط، بعدما ذكّره بالعباءة الملطّخة بالدم التي تسلّمها بعد استشهاد «المعلم».
قبل ذلك بكثير كان تيمور يتحضّر لتلك اللحظة. الطلّة، الخطاب، الاحتكاك مع الناس واستيعاب المزاج الدرزي ومتطلّبات طائفة لا تزال بغالبيتها «تتنفّس» أوكسجين المختارة. إستدعى الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتحرّر الشاب من نمط التفكير الغربي وأسلوب عيشه.
وأكثر من ذلك فرض على نفسه تلقّن «دروس» قاسية في استيعاب ما يدور في الزواريب اللبنانية وسياساتها المعقّدة، بعدما كان خبيراً في متابعة ملفات الأزمات الدولية.
لم يتصرّف تيمور يوماً بما يوحي برغبة دفينة لديه بتقمّص دور الزعامة. كثيرٌ من التواضع الذي لا تجد منه إلّا القليل عند «وليد بيك»، تماماً كما حين يتولّيان قيادة السيارة بنفسَيهما، أو يتحرّران من عبء المرافقة الأمنية الطنّانة. زعيم المختارة مقتنع بأنّ الأمنَ هو سياسي بالدرجة الأولى، كذلك نجله السائر على درب الزعامة. يستمع أكثر ممّا يتكلّم وهذه «ماركة جنبلاطية» بامتياز!
الزعامة الآتية لا محالة كقدر البيت الجنبلاطي نبتت بذورُها الأولى مع عودة تيمور عام 2010 من باريس التي لجأ اليها بضغط من والده بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
واجباتُ العزاء والأفراح، «الأبواب المفتوحة» كل ثلثاء وسبت في المختارة، المشاركة في المصالحات، النشاطات الاجتماعية، الجولات في المناطق التي حاكت بعضها خطّ التوتر السنّي الدرزي بعد أحداث سوريا، تمثيل والده في المناسبات الحزبية والمناطقية، المشارَكة في المؤتمرات التي تحاكي مصيرَ الأقليات في المنطقة… جدولُ أعمال التزم به، كواجب في البداية، قبل أن يتحوّل الى قرار وقناعة، باعترافه، حين حلّ أوان «نقل العباءة»!
تأخّر الشاب كثيراً عن جيله المولع بمواقع التواصل الاجتماعي، وحتّى عن والده الذي سبقه في اكتشاف سحر «تويتر» الحاضن لآرائه العفويّة المتفلّتة من كافة السقوف، وحتى السوريالية منها كتلك التي يقف فيها معزّيا بـ.. وليد جنبلاط.
أوّل تغريدة لتيمور في تشرين الثاني 2017 مازح فيها والدَه قائلاً «هذا حسابي الخاص. لكنّ الوالد مكفّي وموَفّي. سنحاول تنسيقَ خطة سويّاً على كيفية إدارة هذه المصيبة»!
اليوم تزخر صفحتُه على «فايسبوك»، التي لا يديرها شخصياً لكنه يمنح الموافقة على محتواها، بالنشاطات والزيارات الانتخابية قبل الاستحقاق ولقاءاته مع محازبين وسياسيّين مع رصد «لفتة خاصة» تجاه الرئيس نبيه بري الذي يكاد يميّزه عن الجميع واصفاً إياه بـ«الحليف الدائم والصادق والودود… والمهضوم».
آخرُ موقف بارز له تأكيده أنّ «مواجهة تهريب المراسيم واجب وطني»، معتبراً أنّ «التجنيس موضوع سيادي وطبخه في غرف مغلقة يطرح الكثير من التساؤلات»، مركّزاً على أولويّة إعطاء المرأة اللبنانية الحقّ بمنح الجنسية لأبنائها.
لا توريث في «الحزب الاشتراكي». هذا ما «أفتى» به وليد جنبلاط الذي بعدما وَعَد قبل ست سنوات بأنّ رياح الديموقراطية مقبلة الى الحزب وبأنه سيعتزل، فاز بالتزكية في رئاسة الحزب خلال إنعقاد «المؤتمر العام» في شباط 2017…
يحمل تيمور اليوم صفة عضو مرشد في «الحزب التقدمي الاشتراكي» بقرار من «البيك». هذا ما يخوّله الترشّح الى مجلس القيادة، وبالتالي الى رئاسة الحزب. كل شيء وارد في ظلّ عدم وضوح الرؤيا السياسية، وخوف جنبلاط ربما من «التغيير».
مع دخول تيمور «مدارَ» ساحة النجمة أبقى على الفريق الحزبي الذي يعمل الى جانبه ويضمّ بشكل أساس: ظافر ناصر أمين السر العام للحزب «الاشتراكي»، الدكتور ناصر زيدان رئيس لجنة العلاقات السياسية في الحزب، ومفوّض الداخلية النائب المنتخب هادي أبو الحسن الذي عيّن مكانه قبل أيام هشام ناصر الدين… إضافة الى «فريق جنبلاط» وعلى رأسه النائب وائل أبو فاعور.
باستثناء بعض الوجوه الشابة المحيطة بتيمور لا يزال «الحرس القديم» يتحكّم بحركيّة تيمور. الأخير يناصر القضايا التي هي على تماس مباشر مع هواجس الشباب، وسيدشّن ولايته النيابية بتقديم إقتراح قانون لتعديل الإيجار التملّكي، مع العلم أنّ القريبين من تيمور يؤكّدون أنه سيولي ملف الإسكان إهتماماً خاصاّ لمساعدة أصحاب ذوي الدخل المحدود، وهو الأمر الذي باشر فعلاً بالعمل عليه في الشوف وراشيا والشويفات من خلال تدشين وحدات سكنية بأسعار مقبولة.
يذكر أنّ زوجته ديانا زعيتر تقف الى جانبه في مشروع دعم الشركات الناشئة، ضمن سياق اقتصاد المعرفة، من خلال تأمين القروض الميسرة لها والـ direction coaching بهدف إيجاد فرص عمل، والتخصّص حسب حاجات سوق العمل…
منذ اليوم حَسَم تيمور قرارَه بخلاف الكثير من القضايا الشائكة. إذا خيّر بين جبران باسيل أو سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية سيختار فرنجية… و«ما حدن ياخدها شخصية»!