قريباً جدّاً ستعود التطوّرات العسكرية إلى الواجهة الإعلامية إلى جانب الحماوة السياسية، من خلال الشَلل الذي سيُصيب الحكومة.
عسكرياً، تُشير التقديرات إلى سقوط الزبداني في يد «حزب الله» والجيش السوري خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع حدّاً أقصى، لتصبح المنطقة بكاملها ضمن المناطق الخاضعة لسلطة النظام السوري. وليس خافياً على أحد أهمّية السيطرة على هذه المنطقة، إنْ كانَ لناحية موقعها بالنسبة الى دمشق أو حتى بالنسبة إلى لبنان.
وعندما حاولَ النظام السوري ومعه «حزب الله» تطبيقَ «الحيلة» نفسِها التي اعتُمِدت في مناطق أخرى من خلال تضييق الخناق وتركِ ممرّ آمن يَسمح للمسلّحين بالانسحاب عِبره، بدا أنّ «جبهة النصرة» متمسّكة في قرارها الاحتفاظ بهذه المنطقة، فرفضَت «إغراءات» الانسحاب وقطعَت المفاوضات وطلبَت من عناصرها الدفاع عن الزبداني حتى الموت.
أخذ الجيش السوري ومعه «حزب الله» بعضَ الوقت قبل أن يقرّرا الدخولَ في معركة صعبة، وهو ما ظهرَ مع بداية الهجوم، لكن كون الزبداني تُعتبَر منطقة فائقة الأهمّية استراتيجياً سادَ حديثٌ في الأوساط الديبلوماسية الغربية التي تتولّى مراقبة المعارك كافّةً في سوريا، خصوصاً تلك التي يشارك فيها «حزب الله» مباشرة، عن تطبيق خطّة الأرض المحروقة أي عمليات تدمير كامل ضماناً للنتيجة وتخفيفاً للخسائر البشَرية لدى المهاجمين.
المهم أنّ السطيرة الكاملة على الزبداني لن تعنيَ تراجع العمليات العسكرية، ذلك أنّ الخطط وضِعت للاستدارة والاستيلاء على ما تبقّى مِن جرود القلمون ومنها جرود عرسال. وهناك مِن الديبلوماسيين الغَربيين مَن يتوقّع أن يطوّق «حزب الله» عرسال بعد السيطرة على كلّ جرود البلدة والقلمون.
ويرى هؤلاء المراقبون أنّ هذه المرحلة ستُلامس ذروةَ التصعيد لتكون الأمور أمام احتمالين: إمّا دخول الجيش اللبناني على الخط وتسَلّمه بلدة عرسال بكاملها مع ما يتطلّبه ذلك من مترتّبات لناحية اعتقال المطلوبين الموجودين داخل البلدة إضافةً إلى معالجة ملفّ السوريين المتورّطين في أعمال إرهابية والذين يتنقّلون بين عرسال والمخيّمات المحيطة بها، أو أنّ «حزب الله» جهّزَ نفسَه للدخول إلى عرسال، وهو ما سيَعني في هذه الحال ذروةَ التصعيد. والأهمّ أنّ ذلك يجب أن ينتهي أواخرَ الصيف الحالي أو قبل بداية الشتاء على أبعد تقدير، وهو ما يجعل أيلول محطّة مفصلية.
أمّا على المستوى السياسي فالأمور لا تبدو أفضل. وبصَرف النظر عن المسار الذي ستَسلكه جلسة الحكومة اليوم، فإنّ المصير الحتميّ للحكومة هو الشَلل الكامل بدءاً من الشهر المقبل. لا بل إنّ هناك مَن يقول إنّ الحكومة باتت بين حَدّين: حدّ أدنى وهو الشَلل الكامل وحدّ أقصى وهو استقالتها.
وقد يستشهد البعض بكلام رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الأخير الذي قال فيه إنّ القرار هو بالمواجهة من داخل الحكومة وأن لا قرارَ بالاستقالة في هذه المرحلة، إلّا أنّ كلامَه واضح جدّاً بأنّه حدّد مرحلة زمنية معيّنة، ما يعني أنّ كلّ الاحتمالات واردة لدى حصول تطوّر في المعطيات.
المهمّ أنّ الحكومة لم تعُد موجودة بالمعني الحقيقي والفعلي للكلمة، وسينطلق عون مجدّداً بعد قرار التمديد لرئيس الأركان في الجيش اللبناني بحملة اعتراضية سياسية تبدأ مِن خلال الدعوة إلى تنظيم انتخابات نيابية جديدة وينطلق منها إلى ضرورة تطبيق الدستور وإلى الواقع السياسي غير المُنصف للمسيحيين والبحث عن ضمانات دستورية، لذلك، وهنا بيتُ القصيد، مِن المفترض أن يتزامن هذا «المنعطف» السياسي مع ذروة المعارك العسكرية في عرسال نهاية الصيف، وهو سيَعني ولوجَ مسارٍ داخليّ جديد يؤدّي إلى واقع دستوري آخر. وهذا المسار سيكون طويلاً وصعباً وبالتأكيد سيؤدّي إلى تثبيت الحجر على قبر «اتّفاق الطائف».
لذلك يَعتقد عدد من الديبلوماسيين الغربيّين أنّ تمسّكَ إيران بوضع الملف اللبناني آخِرَ ملفّ تفاوضي إنّما له علاقة بكلّ هذا المسار. ومِن هنا كلام رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بأنّه في حال لم تسَهّل طهران رئاسةَ الجمهورية فإنّها تكون راغبة في تغيير «اتّفاق الطائف».
لا بل أكثر، فإنّ الأوساط الديبلوماسية الأوروبية تعتقد أنّ «حزب الله» ومعه إيران يعيشان أجواءَ ما بَعد «إتفاق الطائف» كونه ماتَ فعليّاً. فالحزب يستعدّ لاستنساخ الأسلوب الذي يتعاطى به تيار «المستقبل» مع عون، لكن لتطبيقه لاحقاً بصورة معكوسة وفي استحقاقات لها طابع سنّي.
وتضيف هذه الأوساط أنّ وضعَ الملف اللبناني في الأخير يَهدف أيضاً إلى ربط التسوية السورية باللبنانية، ما يَعني أنّ لبنان وسوريا مِن ضمن سلّة تفاوضية واحدة. فالكلفة التي ستُدفَع في سوريا على مستوى تركيبة الحكم المقبلة سيؤخَذ ثمنُها في لبنان، أو بعبارة أوضح، إنّ أيّ تنازلات في سوريا ستَعني أيضاً مكاسبَ في لبنان.
قبلَ توقيع الاتّفاق النهائي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، تحدّثَ ديبلوماسيون أميركيون بثِقة عن مرحلة مفاوضات ستَلي التوقيع وسيَستفيد منها لبنان حُكماً.
وردّدَ هؤلاء يومها أنّ بعد توقيع الاتفاق النووي، قد تظهَر مواقف متشدّدة هنا أو هناك لفترةٍ محدّدة تكون بمثابة ردّ الفعل الطبيعي على التوقيع. لكنّ الأمور ستأخذ منحىً أكثرَ جدّية بعد مرور بضعة أسابيع، أو ربّما شهر أو شهرين، ستفتح بعدها قنوات التفاوض وفق معايير جدّية ومبنيّة على توافق مشترَك ما بين طهران وواشنطن.
من هنا تحدّثَت هذه الأوساط يومَها عن انطلاقة لهذا المسار في أيلول على أن يأخذ مداه خلال فصل الخريف وتظهر نتائجه قبل نهاية السَنة الجارية في لبنان من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وفق «اتّفاق الطائف»، لكن بعد إدخال تعديلات جدّية عليه تسمَح بإعادة إنعاشه، خصوصاً بعد أن يكون «حزب الله» قد اطمأنّ مِن الهواجس العسكرية بعد إقفال ملفّات الزبداني والقلمون وعرسال.
أيّ وجهة نظر ستكون راجحة؟ الجواب للأسابيع المقبلة.