IMLebanon

 ترقيع أزمة النفط والدواء والقمح: أصل المشكلة لا يزال قائماً

 

سياسة  تقرير    

بلع كارتيل النفط تعميم مصرف لبنان المتعلق بتمويل استيراد المشتقات النفطية والدواء والقمح، وقرّر أن يمضي بتنفيذ التعميم مع المصارف تجنباً لأي اشتباك مع حاكم مصرف لبنان الذي يعلم بأن المصارف والمستوردين تواطأوا في السابق على مخالفة التعاميم المتعلقة بفتح الاعتمادات… لكن إغلاق هذه الأزمة لا يمنع انفجار أزمات مماثلة مع باقي فئات المستوردين

 

أنهى مصرف لبنان ترقيع مشكلة استيراد المشتقات النفطية والدواء والقمح التي تشكّل 25% من مجمل قيمة الواردات إلى لبنان. إغلاق هذه المشكلة لا يعني أبداً أنه لن تكون هناك مشاكل مماثلة عندما يشتدّ الطلب على الدولار من باقي فئات المستوردين. فالسلع التي جرى تمويلها بالدولار عبر مصرف لبنان، بلغت قيمتها في السنة الماضية 5 مليارات دولار من أصل فاتورة استيراد إجمالية تبلغ 20 مليار دولار. ظاهر المشكلة أن مستوردي النفط والأدوية والقمح لم يكونوا يحصلون على الدولارات اللازمة لتسديد قيمة المستوردات من المصارف، فلجأوا إلى الصرافين لتبديل الناتج النقدي من مبيعاتهم بالليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي النقدي، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الدولارات النقدية في السوق وأطلق عملية مضاربة واسعة على الليرة من الصرافين ومن أفراد وشركات أيضاً. يوم أمس، أتى التعميم لينهي هذه المشكلة مع ما يسمى مستوردي السلع الاستراتيجية والأساسية، لكن هذا الأمر لا يعني أبداً معالجة مشاكل قد تنتج من باقي المستوردين، إذ برز أول من أمس مطلب الصناعيين بتمويل المواد الأساسية للصناعة بالدولار كونهم يعانون من المشكلة نفسها، أي يبيعون بالليرة ويستوردون بالدولار. مجمل هذا النوع من المشاكل وطريقة معالجة جزء منه عبر لجوء مصرف لبنان إلى هذا الشكل من التمويل بالدولار هو مؤشّر ”على أن النظام النقدي في لبنان بشكله القائم سابقاً انتهى إلى غير رجعة، وبتنا اليوم في مرحلة البحث عن البديل غير الواضح بعد»، كما يقول أحد الوزراء المطّلعين على تجارب دولية في هذا المجال. والثابت أن معالجة مشكلة مستوردي النفط والقمح والدواء قد تخفف الطلب على الدولار النقدي، إلا أنه لا يعالج مشكلة شحّ الدولارات في السوق، ولا يعالج مشكلة ميزان المدفوعات التي تعبّر عن نزف الدولارات من لبنان إلى الخارج. هو حلّ ترقيعي لما نتج من المشكلة الأساسية: تدني احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وتراجع قدرته على تثبيت سعر صرف الليرة وسط خروج الدولارات من لبنان إلى الخارج.

على أي حال، أصدر أمس مصرف لبنان تعميماً وسيطاً رقمه 530 يعدّل فيه شروط فتح الاعتمادات والبوالص المستندية. التعميم حصر العلاقة بين المستوردين والمصارف مباشرة، على أن تكون العلاقة بين مصرف لبنان والمصارف حصراً. وهو يسمح للمصارف التي تفتح اعتمادات مستندية مخصصة حصراً لاستيراد المشتقات النفطية (مازوت، بنزين، غاز) والأدوية والقمح، بالطلب من مصرف لبنان تأمين قيمة هذه الاعتمادات بالدولار الأميركي، على أن تتقيد بما يأتي:

ــــ أن تفتح كل عملية موضوع الاعتمادات المستندية حسابات خاصة لدى مصرف لبنان.

ــــ أن تقدم المصارف لمصرف لبنان نسخة عن المستندات وبوالص الاعتمادات واتفاقية التمويل الموقعة…

ــــ أن تودع في كل حساب خاص وكل اعتماد على حدة، بتاريخ فتحه، 15% من قيمته بالدولار، و100% من قيمته بالليرة اللبنانية، على أنه يمكن للمصارف أن تحوّل ما يوازي قيمة الإيداع بالليرة إلى دولار، على أن تبقى في الحساب الخاص المودعة فيه لفترة لا تقلّ عن 30 يوماً ولغاية تاريخ استحقاق الاعتمادات.

ــــ أن تدفع المصارف عمولة لمصرف لبنان 0.5% عن كل عملية.

ــــ أن تتأكّد على كامل مسؤوليتها من الاعتمادات التي تكون مخصصة للاستيراد بهدف الاستهلاك المحلي.

في المقابل، يدفع مصرف لبنان على الأموال المودعة لديه فائدة وفقاً لجدول الفوائد المعمول به لديه.

 

مصدر وزاري: انتهى النظام النقدي القائم سابقاً

 

التعميم واضح، وهو يفرض على المصارف أن تلزم زبائنها من الذين تنطبق عليهم المواصفات، أي أن يكونوا من مستوردي البنزين والمازوت والغاز والدواء والقمح، إثبات عمليات الاستيراد، وإيداع أموال بالدولار وبالليرة في حساب خاص منتج للفوائد وفق جدول الفوائد لدى مصرف لبنان، على أن يتم تحويل الليرات إلى دولارات في وقت سابق أو في وقت لاحق لغاية تاريخ استحقاق تسديد الاعتمادات المفتوحة التي قد تصل مدّتها إلى 180 يوماً.

بحسب مصدر في مصرف لبنان، فإن المشكلة تمكن في أن المصارف والمستوردين من هذه الفئات لم يكونوا ملتزمين أصلاً بالتعاميم السابقة المتعلقة بفتح الاعتمادات والبوالص المستندية والتي كانت تلزم المصارف بأن تفرض على زبائنها هامشاً نقدياً بنسبة 15% من قيمة الاعتمادات التي ستفتح للاستيراد. وبالتالي، فإن التحايل على هذا الأمر الآن لم يعد متاحاً طالما أن مصرف لبنان هو الذي سيقوم بالتمويل بالدولارات مباشرة، وإن كان سابقاً قد غض الطرف عن هذه الممارسات. ”مصرف لبنان أعطاهم أكثر مما يحتاجون»، يقول المصدر.

بالنسبة إلى المستوردين، فهم بلعوا ألسنتهم إزاء صدور التعميم الذي يقلّص أرباحهم الناتجة من التهرّب، بالتواطؤ مع المصارف، من تقديم ضمانات مالية لفتح الاعتمادات، ومن تجميع المبيعات في حسابات مجمّدة منتجة للفوائد وفق المستويات المتداولة في السوق. وبحسب مصادر مستوردي المشتقات النفطية، فإن اتصالات جرت في ما بينهم منذ صدور التعميم غالبيتها كانت بهدف منع أي ردّات فعل قد تفجّر إشكالات مع مصرف لبنان.

بالنسبة إلى الشركات المستوردة للنفط والغاز، فهي أصدرت بياناً مساء أمس تبدي فيه امتعاضها من التعميم لأنه لم يلحظ الاعتمادات المفتوحة سابقاً والتي استندت إليها الشركات لاستيراد الكميات (الاعتمادات تفتح لمدة تصل إلى 180 يوماً، فيما الاستيراد يتم خلال بضعة أيام من فتح الاعتمادات)، إلا أنها لم تشر إلى أنها ستقوم بأي موقف من هذا الأمر، فبدا الأمر مجرّد امتعاض لن تكون له تداعيات تصعيدية.