خلافاً لأي اعتقاد سائد عند اللبنانيين لا يزال الاستحقاق الرئاسي وضرورة اتفاق اللبنانيين على انتخاب رئيس لهم في أسرع وقت ممكن نظراً لخطورة استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية على الجمهورية، وحتى على الكيان، ما زالت معظم الدول المؤثّرة كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ومعها الاتحاد الأوروبي وروسيا مهتمة بهذا الاستحقاق، ولا تفوتها مناسبة إلا وتحثّ اللبنانيين على انتخاب رئيس لهم، لتجنيب بلدهم الأخطار والمزالق التي بات الحديث عنها يتجاوزهم إلى هذه الدول، ورغم كل ما يُقال ويُحكى عن توجهات مختلفة لهذه الدول فمن الثابت حتى الآن، أن الدول الكبرى في الوقت الذي ما زالت تتحاشى التدخّل مباشرة في شؤون لبنان الداخلية لا توفّر مناسبة لقاء أي من المسؤولين اللبنانيين من دون أن توحي بشكل أو بآخر أن أفضل وأقصر الطرق لطيّ هذا الملف الشائك هو إتفاق اللبنانيين في ما بينهم على رئيس من خارج إصطفاف 14 و8 آذار، أي إعادة تجربة ما بعد اتفاق الدوحة الذي أنتج رئيساً للبلاد من خارج هذا الإصطفاف، في الوقت الذي كان الانقسام الداخلي بلغ أشدّه بعد أحداث السابع من أيار واستدعى عقد مؤتمر الدوحة لإنتاج إتفاق على انتخاب رئيس توافقي واعتماد قانون جديد للانتخابات النيابية هو قانون الستين.
وليس أدل على هذه الحقيقة سوى النصائح التي سمعها رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري من كبار المسؤولين الروس الذين التقاهم في زيارته الأخيرة إلى موسكو والتي ركّزت على ضرورة وأهمية إتفاق اللبنانيين على اختيار رئيس من خارج الإصطفاف السياسي الحاصل في لبنان، على قاعدة أن لبنان لا يُحكم بغالب ومغلوب وأنه لا بدّ من تفاهم لبناني – لبناني على رئيس توافقي كما هو حاله في كل جولة إنتخاب رئيس جمهورية منذ تأسيس الدولة اللبنانية ذات السيادة والاستقلال.
وهذا الكلام نفسه سمعه المسؤولون اللبنانيون من كل الدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب الذين زاروا لبنان خلال فترة الشغور في رئاسة الجمهورية ومن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ومن مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين ومن مسؤولة الاتحاد الأوروبي، وهو الكلام نفسه الذي ينتظر أن يسمعه المسؤولون اللبنانيون من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي يصادف وصوله إلى بيروت قبل يوم واحد من جلسة الانتخابات الرئاسية التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي يوم الاثنين في الثامن عشر من نيسان الجاري.
ويُخطئ من يعتقد بأن الرئيس الفرنسي الذي يهمّه لبنان وأمنه واستقراره وانتظام مؤسساته يحمل معه عصا سحرية لأزمة الاستحقاق الرئاسي سوى أنه سيتمنى على القوى السياسية المنقسمة حول هذا الاستحقاق حسم أمرها في اتجاه تسوية خلافاتها الداخلية بنفسها وبمعزل عن أي تدخل خارجي مباشر أو غير مباشر نظراً للمخاطر الناجمة على استمرار الدولة جرّاء بقاء الشغور في رئاسة الجمهورية وما خلّفه من فوضى وتدهور على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية وحتى المالية، ومن غير المستبعد أن يردّد الرئيس الفرنسي على مسامع هذه القيادات نفس الكلام الذي سمعه رئيس تيّار المستقبل من المسؤولين الروس وعلى رأسهم الرئيس بوتين لجهة حسم أمرهم بعدما تبيّن أن حظوظ وصول أي من السياسيين المرشحين من داخل الإصطفاف السياسي القائم غير متوافرة ما يفترض تالياً الخروج من هذا المربّع والانتقال الى مرحلة جديدة أي الخطة باء يتم الاتفاق فيها على رئيس من خارج الإصطفافات تماماً كما حصل في اتفاق الدوحة وجيء وقتها بقائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وتقول المعلومات أن الولايات المتحدة الأميركية ليست بعيدة عن هذا التناغم القائم بين فرنسا والاتحاد الأوروبي من جهة وموسكو من جهة حول الوضع اللبناني وحل أزماته الداخلية وعلى رأسها أزمة انتخاب رئيس جمهورية في أقرب وقت ممكن لحماية لبنان من التداعيات الخارجية وارتداداتها على استقراره وأمنه ومصيره، وهي قد بعثت بعدة رسائل إلى أصدقائها في لبنان حثّتهم على التخلي عن أية رهانات خارجية وترتيب بيتهم الداخلي المهدّد بالسقوط.