IMLebanon

نصائح ديبلوماسية للحريري بضبط مواقفه

أقفل الرئيس سعد الحريري في كلمته التي ألقاها في «البيال» خلال الإفطار المركزي الذي حشد له جمهور «تيار المستقبل» في مختلف المناطق اللبنانية»، «موجة» الردود التي تلت تحرك الجمهور «البرتقالي» في 9 تموز والذي كسر الجمود في المشهد السياسي الداخلي، وفتح الخيار بين أفق «التسوية» أو «الإنفجار» بعد عطلة عيد الفطر.

تقول مصادر قريبة من 8 آذار وتابعت كلام سعد الحريري، إن السقف الذي رسمه كان أدنى من المتوقع أو من كلام سابق له في مناسبات كثيرة، ولعل السبب في ذلك يعود إلى نصائح دبلوماسية أُعطيت له بضرورة ضبط المفردات والمواقف لإن الظروف الداخلية والإقليمية لا ترجّح كفة الميزان لمصلحة تياره أو حتى المحور الذي ينتمي إليه، وتتابع المصادر أن «الهجوم» المتواضع الذي شنّه الحريري على حزب الله بات من المفردات السياسية لتيار المستقبل ولكنه لا يقدّم أو يؤخّر في السياسة بشيء، والدليل هو حرصه على الإستمرار في جلسات الحوار مع حزب الله ومناقشة أمور تفصيلية بعيدة كل البعد عن الشعارات العالية التي يطرحها في خطبه «الرنّانه» التي هي موجّهة لجمهوره لشدّ عصبه أكثر من توجهه إلى حزب الله الذي يملك هدفا آخر من الحوار وهو الإبقاء على حالة «ضبط» الشارع السُني ـ الشيعي ونزع أي فتيل يهدد بالإنفجار، أما موضوع الخيارات السياسية والعناوين الكبيرة فلها مكان آخر للنقاش وهو مجلس الوزراء.

تتابع هذه المصادر بالقول إن إتهام سعد الحريري لحزب الله بمحاولة الإيقاع بينه وبين التيار الوطني، ما هي إلا مناسبة لإعادة فتح «كوّة» في الجدار بين المستقبل وعون، بعدما إنهارت كل عوامل «الثقة» بين الإثنين وذلك لإن الحريري مدرك بأن الجنرال عون «حُشر» في الزاوية حيث بات بإمكانه أن يقلب الطاولة رأسا على عقب، وهو ما لا يستطيع التيار «الأزرق» تحمله داخليا وإقليميا من هنا كانت سياسة «المهادنة» تجاه عون من جهة، وسياسة «تحميل المسؤوليه» لحزب الله من جهة ثانية، وكأن سعد الحريري أراد بذلك أن يردّ «الصفعة» لحزب الله، عندما قال السيد إن الخلاف حاليا هو بين تيار المستقبل والجنرال عون حصرا، نافيا ذلك بحجة أن تيار المستقبل لا يمثّل الأكثرية في مجلس الوزراء وبالتالي القرار في بتّ الأمور لا يعود له وحده بل لمختلف الأطراف الممثلة في الحكومة.

تشير أوساط سياسية متابعة لكلام سعد الحريري الى أنه حاول أن يظهر التمايز بالمواقف داخل 8 آذار ويبيّن أن الحليف الوحيد للجنرال عون هو حزب الله، وذلك من خلال توجيه «التحية» إلى الرئيس برّي الداعم لحكومة الرئيس سلام، وهو ما إعتبرته معظم أقطاب 14 آذار «جرعة» القوة والدعم التي تلقفها الرئيس سلام وكانت المحرك لموقفه الصارم في جلسة الحكومة العاصفة، كما أن «إستغلال» تيار المستقبل لكلام الوزير سليمان فرنجية وإنتقاده «المبطّن» للتيار الوطني بعدة مواضيع وإتصال الرئيس فؤاد السنيورة بفرنجية وتهنئته بهذا الموقف، كلها أمور حاول سعد الحريري «تجييرها» لصالحه وإظهار التمايز داخل 8 آذار بما يخصّ مواقف الجنرال الأخير.

تتابع هذه الأوساط بالقول إن سعد الحريري بما طرحه في إفطار «البيال» لم يقدّم أيّ رؤية جديدة لحل المأزق الحكومي الذي تنتظره حكومة الرئيس سلام بعد عطلة الأعياد، وذلك ليقينه بأن مفتاح الحل ليس بيدّ تيار المستقبل الذي يحاول جهده حاليا أن «ينأى» بنفسه عن «العاصفة» السياسية التي تلوح في الأفق والدليل هو أسلوب الصمت الذي إنتهجه وزراؤه ونوابه وقياداته بعد» إنتفاضة «عون الأخيرة»، «وتجيير» محاولة إيجاد الحلول إلى من «يمون» على الجنرال، وهو حصرا حزب الله الذي يؤدي دور الموفّق بين مطالب حليفه ومتطلبات الوضع العام ككل، حيث تؤكد مصادر مقرّبة من المقاومة بأن «الفكرة» التي طرحها السيد نصرالله عن ضرورة إعادة إحياء الحوار بين عون وسعد الحريري لا تدخل ضمن البازار السياسي، إنما هي نوع من المحاولة لإعادة فتح قنوات التواصل بين الفريقين – وبرعاية الحزب في مرحلة لاحقة- كون الفريقين يتشاركان مع حزب الله إما «بتحالف إستراتيجي» مع عون أو في «طاولة حوار» مع تيار المستقبل وهو ما يمكن أن يساعد بمرحلة اولية على إحداث تفاهمات مع باقي المكونات قد تساعد على إيجاد «حلحلة» لبعض الأمور العالقة أو على الأقل تجنيب الشارع خضّة جديدة قد لا يمكن إستيعابها في المرة المقبلة.

أما الأوساط المقرّبة من تيار المستقبل فقد وضعت كلام الحريري في إطار الردّ الهادئ والمنطقي على موجات «الإنفعال» التي ضربت الشارع اللبناني مؤخّرا، كما أنها حاولت نفي تهمة مخالفة الوعد الذي يتهمه به الجنرال دوما -وخاصة في موضوع التعينات الأمنية ـ عبر التأكيد أن هذا القرار لا يمثل رؤية المستقبل وحده إنما تتشارك به عدة أطراف في الحكومة وبذلك لا يتحمل تيار المستقبل «وزر» تحرك مناصري التيار الوطني في الشارع.

وختمت مصادر محايدة بالقول إن كل طرف يحاول أن يرمي كرة النار الملتهبة تحت أقدام الفريق الآخر، لعجزه عن تحمّل تبعات الوضع القائم، وبناء عليه كانت كلمة سعد الحريري عن إعادة تكرار المُكّرر من مواقف «لا تسمن أو تغني عن جوع» كما أنها أظهرته – كما العديد من الفرقاء- بموقف العاجز عن إجتراح حلّ للأزمة السياسية الراهنة والتي يحمّل كل طرف مسؤوليتها للطرف الآخر، والسجال الحاصل هو من أجل تقطيع الوقت فقط لا غير بإنتظار حلول يطرحها القيّمون على الوضع اللبناني في مرحلة ما بعد «التفاهمات» الكبرى التي يجري «طبخها» حاليا.. وعلى نار عالية.