كان وزير الخارجية الفرنسية جان أيف لودريان بارعاً عندما وصف لبنان بسفينة “التايتنيك” التي تغرق ولكن من دون موسيقى، متحدثاً عن حالة إنكار يعيشها اللبنانيون.
نعم إن لبنان يغرق بمن فيه، يغرق بانهيار لا مثيل له يطال كل القطاعات ويدرك الجزء الأكبر من اللبنانيين هذه الحقيقة، أما من يعيشون حال الإنكار فهم أتباع بعض الأحزاب والتيارات والزعماء والقيادات، باعتبار أن هؤلاء ما زالوا يصدقون ما يقال لهم من أن الإنقاذ آت على يد زعيمهم وحزبهم وتيارهم، رغم أنهم في حالة غرق مستمر وسيصلون ككل اللبنانيين إلى حالة الاختناق قريباً.
غالبية الشعب اللبناني تدرك حقيقة الوضع اللبناني وانهياره، ولكن هذه الغالبية تعيش حالة إنكار ليس للواقع وإنما لسبل تغيير هذا الوضع، وتضع نفسها في موقع من لا حول ولا قوة له، علماً أن هذه الغالبية تملك الكثير من الحوافز لتحريكها في الشارع في وجه السلطة والقيادات التي قادت لبنان إلى خراب وألحقته بالدول الفاشلة التي يعتبرها البعض مثالاً يجب أن يحتذى به تحت عناوين فارغة وسخيفة.
حالة الإنكار الحقيقية هي عند مسؤولين وزعماء يعتقدون أن الله قد “خلقن وكسر القالب” وأن وجودهم في السلطة والنفوذ هو مكسب للبنان واللبنانيين، وأن وجود من يفديهم بالروح والدم هو شرف لهؤلاء المساكين أن يموتوا فدى هذا المسؤول أو ذاك.
حالة الإنكار الحقيقية موجودة عند من يعتقد أنه سيحرر العالم من الشياطين الكبرى والصغرى، وأن عقيدته ستسود وسيحقق من خلالها نظرته لحكم العالم والكون ربما بجيش جرار، وربما مكون ممن يولدون من أجل أن يحققوا أقصى طموح لهم وهو الموت في سبيل هذا المشروع.
حالة الإنكار هذه أصبحت مرضاً نفسياً متأصلاً في نفوس هؤلاء الزعماء والقيادات والأحزاب والتيارات وانتقل هذا المرض بالعدوى السياسية إلى أنصارهم، فأصيب الجميع بعمى البصيرة وفقدان المنطق ورجاحة العقل، ولا علاج لهؤلاء جميعاً من هذا المرض العضال سوى أن يشعروا أن نار الإنهيار ستحرقهم وهي نار لن يوقدها سوى الذين اكتووا بممارسات هؤلاء واتخذوا قرار “عليَّ وعلى أعدائي”، فكيف إذا كانوا أعداء من أهل البيت.