IMLebanon

تايتانيك .. هبة باردة، هبة سخنة.. !؟

 

قالها وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان بالفم الملآن: أرى لبنان يغرق كسفينة تايتانيك، ولكن حتى من دون فرقة موسيقية، تعزف «لحن الموتى»، فهل يا ترى من كلام أقسى وأخطر من هكذا كلام على صعيد مصير بلد بأمه وأبيه وناسه وشعبه وأرضه وكيانه ومؤسساته وحاضره وماضيه وتاريخه والمستقبل؟

 

من هنا فإن كلام رئيس الدبلوماسية الفرنسية ينذر بأفدح الاخطار والعواقب،ويدق جرس الانذار في حين اننا نجد ان المسؤولين في بلد الأرز وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء، بعضهم يقول «أنا الغريق فما خوفي من البلل». وآخرون منهم يقولون «عليّ وعلى أعدائي يا رب» كما ان هناك فئة منهم تجاهر بالقول بوقاحة «أنا أو لا أحد»، وهذا كلّه إن دلّ على شيء فإنه يُؤكّد مراراً وتكراراً على استهتار تلك الطغمة الحاكمة بوضع لبنان ككل وبمصير اللبنانيين الذين باتوا يتعلقون بحبال الهواء للخلاص ويبحثون عن أي أفق يؤدي بهم إلى النجاة من هذه الكارثة المعيشية والاجتماعية والمالية التي يتخبطون بها.

 

على ما يبدو أن الغشاوة التي أعمت أبصار المسؤولين والسياسيين وباتوا لا يرون أو  يفقهون أو يسمعون ما يكتب ويذاع عنهم وعن فسادهم ومآثرهم السيئة الذكر، كما وأن آذانهم قد صُمّت أيضاً عن سماع ما قاله الوزير الفرنسي بدقته وحذافيره حتى باتوا يعتبرون أنفسهم أكبر ممّن  كانت حتى الأمس القريب تسمى «بالأم الحنون» والداعمة للبنان دائماً.

 

فهل كُتب على لبنان واللبنانيين جميعاً ان يتعايشوا مع قساوة الأيام كما قلوب المسؤولين والسياسيِّين في بلدهم وأيضاً مع الصُدف التي تلعب دورها كي تحدّ من إمكانية الوصول إلى حلول ومخارج  للأزمات في هذا البلد، وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان  يُنتظر أن تحط طائرته الرئاسية في بيروت بعد أيام معدودة، قد ألغى تلك الزيارة وكل زياراته الأخرى إلى الخارج بسبب تعرضه للإصابة بفيروس كورونا، بحسب ما أعلن رسمياً بهذا الشأن، مما قضى على الآمال التي كانت معلقة على إعادة تحريك المبادرة الفرنسية تجاه لبنان من أجل تشكيل الحكومة الجديدة فيه والبدء بتنفيذ الإصلاحات المنشودة والمطلوبة دولياً في هذا السياق.

 

كلام مباح، أو صمت مُريب وما بين هذا وذاك خيط رفيع لا بدّ أن يربط بينهما حتى يأخذك إلى الصدى أو إلى الفراغ مع ما يتبع ذلك من تداعيات على المشهد اللبناني برمته، وحينها يستخدم الأول حين تدعو الحاجة، أما الثاني فيعتمد عليه بمجرد اللزوم أو غير لزوم.

 

من دون حكومة هو لبنان، باستثناء حكومة تصريف الأعمال وكأنها لم تكن… لقاءات، اجتماعات، بيانات وتصريحات تنهال على اللبنانيين من كل حدب وصوب «ومثل الشتي»، فيما الأفق المسدود على صعيد تشكيل الحكومة العتيدة يفرض نفسه ويبقى سيّد الموقف، في حين أن الواقع اللبناني وصل إلى حد الكارثة بكل ما للكلمة من معنى وعلى مختلف الصعد والمستويات.

 

أسماء لشخصيات يقال انها مستقلة ولإخصائيين مطروحة لتولي المهام الوزارية في حكومة طال انتظارها وقد تمّ الترويج لمثل تلك الأسماء، منها ما هو جدي فيما بعضها الآخر أدرج على سبيل خلط الأوراق والأسماء معاً. إذن «أسماء طالعة وأسماء نازلة» ما بين بيت الوسط وقصر بعبدا وهكذا دواليك منذ أسابيع طويلة دون ان يتوصل كلٌّ من رئيس البلاد والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة إلى الإعلان عن اتفاق بشأن الطبخة الوزارية التي  ما بعدها طبخة، والتي يبدو انها لن يكون لها مثيل باعتبار انها ستلد إذا ما أبصرت النور بعملية قيصرية من رحم معجزة أو مستحيل.

 

يبحثون ويفتشون عمّا يسمى بحكومة «مهمة» أو إخصائيين مستقلين أو ممثلين عن الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان وكل ذلك عن طريق المواربة أو التحايل على الأسماء والمواقع والمواصفات،كما التحايل أيضاً على النّاس الطيبين الذين يطمحون لرؤية حكومة جديدة تسيّر شؤونهم وشجونهم وتدير دفة الأوضاع والأزمات المعيشية والاجتماعية والمالية والتي لم يسبق للبنان واللبنانيين أن شهدوا مثلها منذ سنوات وسنوات.

 

هذه حصتي،تلك حصتك، لا إنها حصصنا جميعاً التي يجب أن نتقاسمها، كما قالب الحلوى أو قطعة الجبن، وبهذه الطريقة تدار الأمور حالياً في بلد الحضارة والاشعاع والنور، من قِبل من ائتمنهم النّاس على المصير والمستقبل، فيما هم لا همّ لهم إلا المحافظة على امتيازاتهم ومكتسباتهم و«التستر» على المستور»!

 

منذ أيام قليلة زار الرئيس المكلف بكركي، شكا همه لسيدها إلا أنه لم يبقّ له البحصة وأخبره أنه قد قدم تشكيلته الحكومية من إخصائيين مستقلين إلى رئيس البلاد، مبرراً ومعللاً الأسباب التي أدت إلى تعطل لغة الكلام بين الرجلين وما بين السلطة  الأولى والثالثة، مؤكداً إصراره على تشكيل الحكومة بأسرع ما يُمكن لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه ولإعادة إعمار بيروت والمرفأ وكشف كل الحقيقة المتعلقة بتفجير 4 آب الهائل،والتأكيد على ان ذلك سيتم من دون تساهل أو تراجع على الإطلاق.

 

كلام جيد شيخ سعد، لكن إسمح لنا أن نقول بصراحة المحب لهذا البلد حتى الصميم، ان النّاس قد سئموا وملّوا ويئسوا من كلام السياسيين والمسؤولين كما من كل المنظومة الحاكمة، نجدكم تلتقون وتجتمعون وتخرجون من تلك اللقاءات على زغل وكل منكم يرمي الكرة في ملعب الآخر، محملاً إياه مسؤولية  الفشل في كل ما آلت إليه الأوضاع الراهنة في لبنان، حتى تصبح كل هذه اللقاءات بالنسبة للبنانييين بمثابة «جعجعة من دون طحين».

 

فيا ليت كل المسؤولين والسياسيين  في هذا  البلد يلتزمون الصمت المطبق إلى حين يصبح الكلام المباح في هكذا ظروف مصيرية يُركّز فقط على إنقاذ لبنان وانتشاله من هذه المحنة الخطيرة، على أمل أن تنضج تلك الطبخة  الوزارية قريباً مع أخذ الحذر من كثرة الطباخين مخافة أن «تشوشط الطبخة وتحترق».

 

أما الغريب العجيب الذي تردد إلى أسماع النّاس في لبنان ويكاد لا يصدق لا من قريب ولا من بعيد، فهو ذاك الاقتراح الذي ما بعده اقتراح والذي جاء على لسان أحد السياسيين المخضرمين في هذا البلد والذي عجنه الدهر بخميرة سياسية تشبه خميرة «الزيرو» والذي قال في اقتراحه: تعالوا نبدأ من الصفر وأن ننسى ونتناسى المراحل الماضية برمتها، أي بمعنى نسيان الأموال المنهوبة والمهربة الی الخارج، كما أموال المودعين المحتجزة في المصارف التي تمّ السطو عليها بغير وجه حق من قبل السياسيين والمصارف معاً دون أي رادع أو وازع، حيث اعتبر ممثّل الأمة والشعب انه إذا ما بدأنا من الصفر ومن جديد عندها لن يسمح لأحد بمد يده إلى المال العام أو إلى مال الخزينة أو إلى أموال النّاس، وكأنه لا تزال هناك من أموال وودائع بين أيادي اللبنانيين أو في خزينة الدولة، مع الإشارة إلى انه هو نفسه كان قد قال ذات يوم رافضاً رفع  السرية المصرفية في لبنان واضعاً يده على قلبه متخوفاً من هروب الرساميل العربية والأجنبية من هذا البلد إلى الخارج وأنهم سيهشلون من  لبنان، كل هذا دون أن يأخذ بعين الاعتبار ان التدقيق الجنائي قد «هشل» من لبنان دون ان يرف لأي مسؤول أو سياسي فيه جفن.

 

عذراً يا حضرة النائب الكريم، صاحب الاقتراح العظيم  والسياسي  البارع في التشريع والفقه والقانون، ما هكذا تدار الأمور وما هكذا يتم الضحك على «ذقون اللبنانيين بالعربي المشبرح»، وما الكلام الأخير في هذا  السياق إلا بمثابة امتحان صعب جداً أمام ما يقارب خمسة ملايين لبناني، لكن فليطمئن الجميع ان العلامة على مثل هذا الاقتراح جاءت «صفر مكعب» من دون هوادة وإلى اللقاء في امتحان آخر يتحوّل خلاله الصفر إلى أصفار وأصفار بالنسبة لصاحب مثل هذا الاقتراح ولكل السياسيين الفاسدين في هذا البلد.