محكمة العصر في محاكمة العصر تواصل الإستماع إلى جبابرة شهود الحقيقة، فبعد النائب والوزير السابق مروان حمادة الذي أرّخ بإفادته لمرحلة من أشدِّ مراحل تاريخ لبنان خطورةً ودقة، ها هو الشاهد الثاني في الأهمية الوزير السابق غطَّاس خوري.
ليس سرًّا أنَّ الدكتور خوري كان من أقرب المقرَّبين إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكانت معروفةٌ عنه جرأته وصراحته وعدم استخدامه أسلوب المواربة في التعبير عن آرائه ومواقفه، وهذا الأسلوب حدا بالرئيس الشهيد إلى تقريبه وجعله من ضمن دائرته الضيِّقة بين المستشارين، وانطلاقاً من هذا الوضع فإنَّ شهادته أمام المحكمة الدولية تكتسب أهميةً بالغة بسبب عمق اطِّلاعه على المرحلة التي كان فيها لصيقاً بالرئيس الشهيد.
لم تأتِ شهادة الدكتورغطاس خوري من فراغ ومن دون مقدِّمات، إذ هي تأتي في سياق ما باشرته المحكمة اعتباراً من الشهر الماضي من خلال قرارها الإستماع إلى ستة عشر شاهداً من السياسيين والصحافيين اللبنانيين الذين كانوا مقرَّبين من الرئيس الشهيد، وقد جاء قرار المحكمة الإستماع إلى هؤلاء بعدما رفضت طلب فريق الدفاع عدم الإستماع إليهم بحجة أن شهاداتهم ستكون سياسية.
ويبدو أن الدكتور غطاس خوري، على غرار النائب والوزير السابق مروان حمادة، حمل مشعل الجرأة غير آبه بتحذير أو بنصح.
وإذا نظرنا في الخارطة الطائفية لمجموعة المستشارين الذين يتمُّ الإستماع إليهم، نجد أنَّ الرئيس الشهيد مارس التنوُّع عملياً لا نظرياً ولا تنظيراً:
فها هو المستشار الماروني الدكتور غطاس خوري، وها هو المستشار الدرزي النائب مروان حمادة، وها هو الوزير الشيعي باسم السبع، وها هو الكبير الأرثوذكسي دولة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. إنَّ مَن يفتِّش عن التنوُّع الحقيقي فإنه لن يجده إلا في منزل الرئيس الشهيد، وعلى رغم محاولات البعض استنساخ هذه التجربة، لكن عملية الإستنساخ لم تنجح ولن تنجح لأنَّ الأصالة للأصيل.
ومن الجبابرة الشهود الذين ستستمع اليهم المحكمة، النائب وليد جنبلاط، بعدما استمعت إلى الزميل الأستاذ فيصل سلمان وإلى المصوِّر الخاص للرئيس الشهيد. وهؤلاء من ضمن لائحة مؤلفة من ستة عشر إسماً تمَّ اختيارهم بعناية من قِبَل المحكمة، وجرأتهم تضعهم في مصاف لائحة الشرف.
المهم من كلِّ ذلك ومن كلِّ ما تقدّم، أنَّ المحكمة الدولية لا تمارس الترف القضائي بل هي تُفتِّش عن الحقيقة لتحقيق العدالة، فمن دون حقيقة لا عدالة ومن دون عدالة لا إستقرار في البلد مهما كابَر المُكابرون، وما الشهادات التي يُدلي بها القريبون من الرئيس الشهيد رفيق الحريري سوى حماية لتلك المرحلة من الإندثار والتشويه.
إنَّه عصر العدالة، طال الزمان أو قصر، ولو لم يكن الأمر كذلك من خلال القناعات الراسخة لدى جميع الذين يُدلون بشهاداتهم، لَما كانت الأركان السياسية، كالوزيرين السابقين مروان حمادة وغطاس خوري يلزمان النفس بالتوجُّه إلى لاهاي.