IMLebanon

إلى الصديق جهاد الزين «كنّا نحلم أيضاً، ولم نكن أبرياء»

أكتب هذه الكلمات وأنا في أشد اللحظات وعياً وإدراكاً لخطورة اللحظة التي تمرّ بها تجربتنا الوطنية بطائفيتها وعنفها وارتهانها وضعفها وقوتها.. هذه التجربة التي عاشت دائماً على حافة الهاوية حتى أصبح المجتمع والدولة مأزومين على الدوام.

طوال كل تلك السنين مع التجربة الوطنية اللبنانية كنّا نعرف فيها أسباب القلق والانهيار، وعناصر التقدم والازدهار، بغير ما نشاهده الآن من الطبقة السياسية وأبنائها الغاضبين من آبائهم من الحكام والقيادات ورفض نزوع آبائهم نحو السلام وتأخرهم في إتمام عملية التوريث، كما حصل لدى بعض الزعامات مما استفز الطامحين من الشباب الذين أتعبهم الانتظار من أجل أخذ مكانهم في لعبة الطائفية وأخواتها وسياستها البغضاء.

 يخطىء من يعتقد أن التوريث السياسي في لبنان هو آفة عائلية أو إقطاعية، لأنّ التوريث أعمّ وأشمل ليطال كل المكوّنات السياسية، من اليمين الى اليسار، الى العروبي والقومي والثوري والإصلاحي والفني والصحفي والعقائدي والمليشياوي، والتيارات الخ.. فالتّوريث يشمل كلّ هؤلاء دون استثناء، وجميعهم مكتومو مصدر التمويل والايحاء لأنه لكل زمان في لبنان سفاراته وإمكانياته وإملاءاته.

قرأت ما كتبه الصديق الصحافي المخضرم جهاد الزين في مقاله في جريدة النهار الغرَّاء تحت عنوان «الأب يقتل ابنه» دفاعاً عن المولود الثوري الجديد في لبنان، مستشهداً بثورات الربيع العربي، من تونس الى كل الساحات، مؤكداً القضاء على تلك الفئة الشابة في كل دول الربيع على حدّ سواء، معتبراً أن شيطنة شباب الحراك الأخير في لبنان واتهامهم بالعلاقة مع السفارات أمر مستهجن طالما أن كل الطبقات السياسية على مرّ تاريخ لبنان كانت ولا تزال مرتبطة بالسفارات. وها نحن ننتظر السفارات في لبنان منذ أكثر من خمسمائة يوم لكي تنتخب لنا رئيساً جديداً للبلاد. لا شك أن الكاتب الصديق كان محقّاً في دفاعه عن الشباب ثم اتهام آبائهم وأجدادهم بالتبعية للسفارات.

لا بدّ من أن نتحاسب أولاً لكي نحاسِب ثانياً. ويبدو أنه لا خيار أمامنا  سوى الدخول في هذه التجربة، التي قد تؤدي مرة أخرى الى نزاع مسلّح كبير مثل ١٣ نيسان أو أكبر، لأن أسبابه وأدواته لم تكن متوفرة كما هي الآن. ألم نتفرّغ لمحاسبة الجيش وقوى الأمن  بعد الانتخابات الرئاسية عام سبعين، رغم أنه كان لدينا السلاح الفلسطيني المقونن باتفاق القاهرة؟ فضاع الجيش والأمن عشرين عاماً، كما هو حاصل الآن في المحاسبة مع الجيش وقوى الأمن وبابتكار خطوط التماس، وبالتزامن مع الوجود السوري الشعبي المسلح في لبنان والوجود اللبناني الشعبي المسلح في سوريا، وعناصر الجيش والأمن المخطوفين حتى الآن.

كنت أعرف الكثير عشية ١٣ نيسان، ساعة بساعة وجريمة بجريمة. وكنت أعرف المنفّذين والمموّلين والمروِّجين في الاعلام والسياسة.. ويخطىء من يعتقد أننا لم نكن نعرف عشية ١٣ نيسان بأننا نرغب جميعاً في تدمير دولتنا وتجربتنا الوطنية. وكنت أيّامها مع الصديق جهاد الزين لحظةً بلحظة، وشاهدنا معاً الجناة بأبشع الصور والمجازر. والصديق جهاد الزين عامليّ  التكوين بامتياز، بحرية الاجتهاد والتقليد والعقل والشعر.. ذلك هو جبل عامل الذي كان يسارياً في زمن ما قبل أن يجد نفسه أقرب الى الحرمان منه الى اليسار. إن ما يدفعني الى كتابة هذه الكلمات هو اعترافي بعدم براءتي أقلّه بسبب عدم الاعتراض وكتمان المعلومات، ورغبتي في محاسبة نفسي على صمتي كي أستحق محاسبة سواي.. وأقول الى الصديق جهاد الزين: «كنّا نحلم أيضاً، ولم نكن أبرياء».