اجتازت حكومة المصلحة الوطنية استحقاق قمة القاهرة العربية بسلام، واستطاع الرئيس تمام سلام من خلال ضربة على حافر النأي بالنفس، وأخرى على مسمار الاجماع العربي، أن يزيل الالتباسات التي ترتبت على تصريحات وزير الخارجية جبران باسيل خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب.
وفي قمة الكويت للدول المانحة اليوم لن يفيد ترويس الكلام، طالما أن المانحين، الأجانب على الأقل، يريدون تقديم منحهم لدولة متكاملة المبنى والمعنى، دولة برئيس يرعى ومجلس نواب يشرّع وحكومة تحكم باسم الجميع، فيما نحن اليوم بجمهورية بلا رئيس وحكومة بأربعة وعشرين رئيساً، وبرلمان، يرنو للتشريع بغياب الرئيس، ولا يستطيع، والأمور تمشي انسياباً بين المبدأ والملاءمة وعلى أساس أن السياسة هي علم الربح بلا رأسمال، والشاطر يدبر حاله.
ولكن الى متى على اللبنانيين الانتظار؟
كان التعويل بداية على توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية، وما زال كثيرون مؤمنين بأن لا امكانية لرئيس في لبنان، قبل خروج أرنب الاتفاق النووي من تحت قبعة الحاوي.
وعلى سيرة الحاوي يقول الوزير رشيد درباس ان معظم الحواة ممن يظنون أن بوسعهم ترويض الأفاعي ماتوا بلسعة أفعى…
بيد أن هذا كان حتمياً، قبل عاصفة الحزم ولو ان السيد حسن نصرالله نفى في اطلالته الأخيرة علاقة ايران والمسائل الايرانية بالفراغ الرئاسي في لبنان، ما يعني أن ما بعد العاصفة، لن يكون كما قبلها، حتى ولو دخلت التسويات على الخط من نافذة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي بدأ يساوم على الرئاسة، له أو لابنه قائد الحرس الجمهوري: الرئاسة مقابل فكفكة الموجة الحوثية، مشترطا ان تكون الأولوية للرئاسة بينما العكس هو الصحيح، من وجهة النظر الأخرى، التي ترى ان مكونات القوة في موقف صالح بدأت تتبخّر على حرارة قصف طائرات التحالف العربي، وان هذا التطور لا بد من ان ينعكس ايجابا على مختلف الساحات العربية المشتعلة، أو القابلة للاشتعال، ومنها الساحة اللبنانية، التي بدأت تلحظ خفوت أصوات وارتفاع أصوات، وهذا دليل على ان عاصفة الحزم التي أطلقها الملك سلمان، في مستهل عهده الوليد، بدّلت معطيات كثيرة، وطرحت معادلات جديدة، لا يمكن تجاهلها أو عدم أخذها بعين الاعتبار والمتابعة.
وعلى المستوى اللبناني، كانت البداية انجاز ورقة اعلان النوايا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وتلوح في الأفق ملامح احتمالات مبهجة في غضون هذين الشهرين، والظاهر ان عاصفة الحزم حزمت أموراً كثيرة في المنطقة، وضمنها لبنان، من خلال تحريك ملفه الرئاسي، على ايقاع التوافق والوسطية التي لا مندوحة من اعتمادها، اذا كان الاجماع قائماً على ضرورة استمرار الاستقرار الحاصل.
والى ذلك، ثمة جهات لا ترى ان مكونات الرئيس التوافقي أو الوسطي، لا تسمح بوصول رئيس الى بعبدا بمواصفات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح…
لكن حتى الآن، يبدو جلياً انه ما زال بوسع العماد ميشال عون قطع الطريق على سواه من المرشحين للرئاسة، أما الدكتور سمير جعجع، فقد فرض لترشحه، وباستمراره في ترشحه واقعاً يحسب حسابه على مستوى التوازنات الرئاسية.
بالمقابل يستحيل على الرئيس سعد الحريري والدكتور جعجع التوافق على انتخاب عون، ضمن اطار صفقة أو تسوية، بعد اعلانه كونه في محور المقاومة، وثنائه على قتال حزب الله في سوريا، لأنه بذلك يكون جزءاً من محور داخلي – خارجي، لا يتّسع جسمه لثوب الوسطية المفصّل على قياس المرحلة اللبنانية.
ولا تقتصر المعارضة في هذه الحالة على عناصر الداخل، إلاّ في حال اقتنع عون بحسم خياره الانتمائي الى الثامن من آذار، وهذا ما لا يبدو وارداً، حتى إشعار آخر.