ترى أوساط سياسية أن إيران إذا كانت تخطط لتعديل اتفاق الطائف، كما يقال، لجعله أكثر عدالة وإنصافاً في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث، فما عليها سوى الاستمرار في تنفيذ خطة إحداث فراغ شامل في المؤسسات بحيث لا يكون خروج منه إلا بإجراء هذا التعديل، وأن ما يؤكد ذلك هو دعوة صحيفة “كيهان” الإيرانية المقربة من المرشد الأعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي يوم كان فؤاد السنيورة رئيسا لحكومة “الوحدة الوطنية” التي استقال منها الوزراء الشيعة لتعطيل قيام المحكمة الخاصة بلبنان، إلى تغيير موازين السلطة في لبنان لمصلحة الطائفة الشيعية، وكتبت تقول: “في ظل النظام الاستراتيجي الجديد الذي برز في الشرق الاوسط، صار واجبا ان يكون لـ”الشيعة في لبنان”، وليس للشيعة اللبنانيين، أكبر حصة في المؤسسات الحكومية والرسمية، وأن علينا أن نرى ونتابع كيف تتطور الأمور. فلبنان يواجه تغييرات لا تستطيع الحكومة الراهنة (حكومة السنيورة) أن تعالجها… لهذا من الضروري تغيير المؤسسات فيها، وأول ما يجب تغييره هو اتفاق الطائف الذي وقعته أميركا وفرنسا ورؤساء الدول العربية وزعماء المجموعات اللبنانية، وقد فقدت تلك الدول العربية حالياً، وإلى حد كبير أميركا وفرنسا والمجموعات اللبنانية دورها وحلّت محلها قوى جديدة”… فإذا كانت هذه الصحيفة الإيرانية لا تزال تعبّر عن رأي المرشد الاعلى للثورة الايرانية علي خامنئي، فإن على اللبنانيين وعلى كل من يهتم بمصائرهم، أشقاء وأصدقاء، أن يفهموا معنى الاستمرار في تعطيل نصاب جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، وهو تعطيل لم يلجأ اليه تدخل أي خارج. فسوريا عندما كانت صاحبة النفوذ القوي في لبنان كانت تتدخل لتأمين النصاب، وهو ما فعلته عند انتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية إذ انها تدخلت بقوة لتأمين هذا النصاب حتى تحت القصف المدفعي، لأن سوريا كانت تضمن وصول من تريد رئيسا للجمهورية كونها تمتلك الاكثرية في مجلس النواب، في حين ان ايران لا تمتلك هذه الاكثرية لكي تأتي بمن تريد رئيسا، فعمدت الى تعطيل نصاب جلسات الانتخاب، إلى أن تتوصل إلى اقناع الأكثرية النيابية الحالية بانتخاب من تقبل به رئيساً وإلا استمرّ الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف…
ويبدو أن إيران خططت لذلك، مذ قررت فجأة، وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على أزمة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، تسهيل تشكيلها ظناً منها أنها تظل قادرة على تفجيرها من الداخل ساعة تشاء فيكون عندئذ الفراغ في السلطتين الاجرائيتين: سلطة الرئاسة الاولى وسلطة الرئاسة الثالثة. أما السلطة الثانية، أي مجلس النواب، فتبقى وحدها تعمل من خلال التمديد لها كحلّ لا بد منه وإلا كان الفراغ الشامل في كل السلطات، وهو فراغ يجلب الفوضى العارمة ويقرب لبنان من خطر الزوال.
لقد نجحت ايران حتى الآن في إحداث شغور في منصب الرئاسة الأولى وجعلت الحكومة تتولى صلاحيات الرئاسة بالوكالة وقد يصبح الموقت دائما أو إلى ما تشاء إيران، وجعلت مجلس النواب الممدد له قادرا على ان يحل محل السلطتين الاولى والثالثة إذا ما انفجرت الحكومة من الداخل. وهذا معناه أن ركائز “الميثاق الوطني” الثلاث قد سقطت منها الركيزة الأولى وهي رئاسة الجمهورية من حصة الموارنة، والركيزة الثانية وهي الحكومة إذا ما استقالت تكون قد سقطت أيضاً وهي من حصة السنّة، ولا يبقى سوى ركيزة واحدة هي السلطة الثانية وهي من حصة الشيعة، وعندها لا يمكن “الميثاق الوطني” أن يظل واقفاً على ركيزة واحدة، فيفتح عندئذ باب البحث في “ميثاق جديد” ودستور جديد لا أحد يعرف ما إذا كان من السهل التوصل الى اتفاق عليه بالحوار أو بالنار…
لذلك على الزعماء المسيحيين وتحديدا الموارنة في قوى 8 آذار أن يعوا الحقيقة ولا يلعبوا لعبة ايران في لبنان والمنطقة بتغليب مكوّن من مكوناته على الآخر لأن أي مكوّن فيه لا يشكل اكثرية ولا اقلية بل كلها اكثريات واقليات وتتساوى في الحقوق والواجبات. وقد اثبتت التجارب أن لبنان لا يحكم بسياسة الغالب والمغلوب بل بسياسة الوفاق والتوافق.
والسؤال الذي يطرح على الزعماء المسيحيين وتحديدا الموارنة منهم في 8 آذار: هل يقبلون بأن تبقى رئاسة الجمهورية شاغرة وتتولى صلاحياتها حكومة معرضة لخطر الانفجار في اي وقت، وبانفجارها لا يبقى عمل حتى لمجلس ممدد له، ويذهب “الميثاق الوطني” بسقوط أول ركيزة له وهي رئاسة الجمهورية، حجر زاوية الحكم في لبنان؟
فليعودوا الى ضمائرهم وينتخبوا رئيساً للبنان، وبانتخابه تقوم جبهة الصمود والتصدي لتنظيم “داعش” ولكل تنظيم تكفيري وإرهابي.